كانت الثورة إعصارا عصف بالكثير من أوجه الفساد وأركانه ومؤسساته وسياساته وشخوصه, وفي خضم هذه المعركة تطايرت بعض المشروعات ذات الأهمية الفائقة لجهود التنمية وإعادة البناء بالبلاد. , وأصبحت كالريش المعلق في الهواء بخيوط واهية, تتقاذفه الرياح والأيدي والتحركات العفوية بقصد أو بدون. بوعي أو بدون, وكادت تنسي تماما في زحام الاحداث الدافقة, والآن هي علي وشك الانفلات من الخيط, والمضي بعيدا علي غير هدي بلا رجعة, آخذة معها فرصا عظيمة للإنتاج والبناء والتحديث,وفي قطاع تكنولوجيا المعلومات يأتي علي رأس هذا الريش الطائر المجتمع البحثي والأكاديمي الوليد بجامعة النيل الذي تم بناؤه علي مدار أربع سنوات وبات يضم مجموعة متميزة من الأساتذة والباحثين والطلاب والمشروعات البحثية, وأصبح يشكل موردا بشريا وطنيا جديدا من الجنون أن نخسره ونبدده في الهواء, ونأخذه بجريرة الأخطاء التي ارتكبها غيره في أمور تتعلق بأرض ومباني وملكية الجامعة. مع التسليم بضرورة وأهمية ملاحقة أي فساد شاب تخصيص أرض الجامعة أو الجمعية التي أسستها أو تخصيص الأموال التي انفقت علي مبانيها, لابد أن نتوقف قليلا للنظر بهدوء إلي الأمر, ولا نتعامل مع تجربة جامعة النيل باعتبارها شر مستطير بالجملة ولابد من نسفها بالكامل, وإذا كنت من الملايين الذين أصابهم الحنق والضيق والغضب مما سمعته عن أفعال نسبت إلي رئيس الوزراء ووزير الاتصالات السابقين, فأرجوك أن تتمهل قليلا لتعرف أن في الجامعة شيء يمكن أن يخفف غضبك ويمنحك بعض الراحة. في جامعة النيل40 عالما مصريا متميزا, كانوا يعملون كأساتذة بأرقي جامعات أمريكا وأوروبا وغيرها, تم استقطابهم ليشكلوا النواة الصلبة للعمل البحثي والعلمي بالجامعة, وفي أربع سنوات فقط نشروا أكثر من700, منها اكثر من250 بحثا جرت مع طلبة الدراسات العليا من شباب مصر. وفي الجامعة285 طالبا مصريا يدرسون الماجستير والدكتوراه, جميعهم من أوائل الجامعات المصرية الذين أظهروا نبوغا واضحا في تخصصاتهم, وفيها85 طالبا في مرحلة البكالوريوس جميعهم من أوائل المدارس الثانوية المصرية والأجنبية. وفي الجامعة160 شخصا حصل علي منحة كاملة للدراسة والبحث في مراكز البحث العلمي والتطوير وتشمل جميع المصروفات, و103 شخص آخر حصلوا علي منح بحثية ودراسية تتراوح بين40 و100% من المصروفات, وفي الجامعة25 طالب متميز بالمعايير الدولية, حصلوا علي25 منحة دراسية كاملة المصروفات للحصول علي الدكتوراة من كبري الجامعات الامريكية والاوروبية علي نفقة هذه الجامعات الأجنبية بالكامل, وفي تخصصات دقيقة وجديدة تماما. هذا عن الكوادر البشرية المؤهلة جميعا وفق أرقي المستويات الأكاديمية والعلمية المتبعة عالميا, والآن انظر إلي وجه آخر من أوجه هذا المجتمع العلمي والأكاديمي الوليد, وهو طبيعة البحوث والنشاط العلمي, فعلي مستوي الدراسات العليا يعمل شباب الجامعة لنيل الماجستير والدكتوراه في إدارة التكنولوجيا وهندسة البرمجيات وإدارة الأعمال للمديرين التنفيذيين والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية وتصميم المنظومات الالكترونية وتأمين المعلومات وهندسة وإدارة الإنشاءات والنانوتكنولجي. أما مراكز الأبحاث في الجامعة, فتضم مركز المعلومات الحيوية ومركز المواصلات الذكية ومركز التنافسية ومركز الإبداع وريادة الأعمال ومركز تكنولوجيا الشبكات اللاسلكية ومركز النانو تكنولجي والالكترونيات الدقيقة, وتدعم هذه المراكز مشروعات بحثية من بينها المجسات الحساسة للتشخيص والمراقبة والطب عن بعد باستخدام المحمول والانترنت وتشخيص أمراض القلب والقرنية باستخدام الحاسب, وبنية المعلومات الحيوية وجينوم الجاموس المصري ونظم الطب الشخصي والمراقبة الذكية للمرور وانظمة الزراعة الدقيقة والذكية وتنقية المياه والطاقة الشمسية وتكنولوجيا وتطبيقات الجيل الرابع للتليفونات المحمولة. يبقي التأكيد علي أن هذه المجتمع الاكاديمي الوليد يطبق منهجيات في العمل غير شائعة وغير معهودة في الجامعات المصرية, فهو يركز علي تطبيقات التكنولوجيا التي من شأنها أن تخدم مصر والمنطقة وإرساء عملية تعليمية رائدة وبحث علمي مصري متميز, وذلك من خلال تقديم برامج دراسية لطلاب التعليم الجامعي والدراسات العليا والمديرين التنفيذيين, وإجراء بحوث علمية متعددة التخصصات والتعاون مع الجامعات العالمية المتميزة ومراكز الأبحاث المرموقة, وتوطيد العلاقات مع قطاعات الأعمال والصناعة وخدمة المجتمع وتخريج رواد أعمال ومديرين في تكنولوجيا المعلومات, وتحفيز تنافسية قطاع الأعمال المصري من خلال ترويج البحوث التطبيقية والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا وحماية حقوق الملكية الفكرية, وإيجاد بيئة تسمح بتداول الأفكار من خلال التعاون المشترك بين الجالية المغتربة وجامعة النيل والجامعات المحلية والدولية. وتحقيقا لذلك شكلت الجامعة تحالفات استراتيجية مع كلية ايسي لإدارة الأعمال بجامعة نفارا باسبانيا ومعهد الريادة التكنولوجية بجامعة مينسوتا وقسم الهندسة الصناعية بجامعة ميامي والمنظمة العالمية لإدارة التكنولوجيا ومعهد كارينجي مالون لهندسة البرمجيات ومعهد انظمة الاستشعار عن بعد بجامعة أوهايو ستيت وجامعة امبريال بلندن,وجامعة سنترال فلوريدا جامعة, ومع شركات مايكروسوفت وانتل وجوجل ومنتورجرافيكس واي بي ايم وسيليكون فيزيون وفيليبس والكاتيل لوسنت واورانج وجنرال موتورز, ومن خلال هذه التحالفات يتم تمويل جميع المشاريع البحثية وأنشطة الجامعة, وذلك عبر نظام يقوم علي المنافسة بالأفكار والقدرة علي الإبداع والبحث القادر علي توليد معرفة قابلة للتطبيق العملي وتحقيق قيمة مضافة حقيقية. هذا المجتمع الأكاديمي الوليد وما يضمه من موارد بشرية متميزة ذات كفاءة هو الشيء الذي لابد من الدفاع عنه في تجربة جامعة النيل, باعتباره مركز لبناء العقل الوطني المبدع في قطاع التكنولوجيا, لكن المؤسف أن الأمور سارت بطريقة الفيل الذي يقتحم أبواب الزجاج وهو في قمة ثورته, فقد اندفعنا بقوة وهوس من اجل استرداد الأرض وتصحيح الملكية, ونسينا هذا المجتمع العلمي الوليد الذي لا ذنب له فيما جري, حتي أصبح معلقا في الهواء, فالتمويل توقف, والمرتبات تصرف بالكاد, والبحوث تتعثر, والعلاقات مع جامعات الخارج تتهاوي, والدراسة دخلت مرحلة الشلل وأصبح مستقبل هؤلاء النابغين غامضا, واتفاقيات المشاركة مع الشركات العالمية والجهات المحلية علي المحك وتكاد تنهار؟ والمغتربون الذين عادوا بدأوا يرجعون لغربتهم مجددا, ببساطة الوليد يختنق وروحه تحلق وتستغيث ولكن لا مجيب لأنها تطير في الفراغ.. جنون وحمق أن ينسينا الحماس لملاحقة ما تكشف من فساد شاب تأسيس الجامعة وملكيتها وتبعية أرضها والإنفاق علي مبانيها, أن هناك مجتمعا علميا وليدا بالجامعة, يتعين الحفاظ عليه وفصله عن كل هذه الأمور, وغير معقول أن نجعل الثورة لا تفرق بين استرداد الأراضي وحفظ المباني ومحق العقول وتدمير الأفكار وتبديد القدرة علي العبور للمستقبل. جنون وحمق أن تعمي أبصارنا وتتملكنا روح التشفي إلي الدرجة التي تصرفنا عن الوصول لحل يفصل بين محاسبة ومحاربة فساد الأراضي والمباني ومقتضيات حماية مواردنا البشرية التي هي أغلي وأثمن من أي شيء.