كان يرقد مريضا وواهنا فوق سرير بمستشفي للعلاج. ولذلك, اعتذر, منذ أيام, عن عدم امكانه حضور حفل الافتتاح لفيلم سينمائي عن الثورة المخملية, التي قادها في تشيكو سلوفاكيا للاطاحة بالحكم الشمولي والشيوعي عام.1989. وقتها كان فاتسلاف هافيل كاتبا مسرحيا لامعا تطارده السلطة وتلاحقه. ولكنه عبر علي جسر الثورة من الحلم الي الحكم. فقد ناصبه الشيوعيون العداء لأن والده كان ثريا. وحرموه من التعليم الجامعي. غير انه تمكن من استكمال تعليمه. وأصبح كاتبا مسرحيا مرموقا. وتأثر بمسرح العبث وابداعات كتابه في أوروبا. وهو مايبدو في مسرحياته المذكرة وحفل الحديقة وأهمية التركيز. لكن هافيل ربما لجأ الي هذا المسرح حتي يمكنه مراوغة الرقابة الصارمة والافلات من المصادرة. وبرغم ذلك لم يفلت الا قليلا. فقد زجوا به مرارا وتكرارا في السجن. ولأن هافيل كان كاتبا ومعارضا نبيلا, فقد استبشر به أهل بلاده عندما عبر خشبة المسرح الي كرسي السلطة, وسط أعلام الديمقراطية وأمنيات السوبر ماركت علي نحو ما هو حاصل في أوروبا وأمريكا. ولم لا؟.. والتوقعات لا حدود لها. وكان الظن أن مجرد اطلاق الكلمة الجملية والسحرية الديمقراطية يمكن, بين عشية وضحاها, أن يغير الواقع, وتمتليء الشوارع بالمن والسلوي. وتلك كانت المشكلة التي واجهها هافيل. ذلك أن الامنيات الشعبية لم يبدأ تحققها, وبدا المسار اليها بطيئا ومتلعثما. والادهي أن معضلات حادة سرعان ما تقافزت في طرقات المدن, ومنها غضب الجماهير من بطء الاصلاحات الاقتصادية, والتراخي في ملاحقة الشيوعيين والبوليس السري. وأعرب الناس عن مخاوفهم من إعادة تنظيم فلول قوي القهر والقمع لصفوفها في محاولة لاختطاف الثورة. واحتدم الجدل حول هافيل نفسه. ولم يتردد زعماء المنتدي المدني الذي دفع به إلي السلطة في طرح السؤال: هل يصلح لهذا المنصب؟ صحيح أن الهواجس لم تكن تساور أحدا في أنه رجل الساعة.. ولكن هل هو رجل المستقبل؟.. ولأن الثورة المخملية بدت وكأنها قصة خيالية, أو معجزة.. فقد قال هافيل.. لست أملك تفسيرا للمعجزة, لكنني أجرؤ علي القول بانني جزء منها. وفي تلك الفترة كادت غيوم الواقع تحجب اشراقات المعجزة. وبدت في الافق أمور مثيرة للقلق, فقد وصف رئيس الوزراء ف. كلاوس الصحفيين الذين ينتقدون أداء حكومته بانهم أكبر أعداء للبشرية!! وهو ما زاد من المخاوف علي الديمقراطية الوليةد. ولعل هذا ما دعا البروفسير كيث كراوفورد استاذ العلوم السياسية في جامعة براغ الي العكوف ست سنوات رصد خلالها ثورات أوروبا الشرقية ونشرها عام5991 في كتاب. وكانت وصيته الجوهرية هي المبادرة لارساء أسس المجتمع المدني حتي يمكن ترسيخ الديمقراطية والحيلولة دون عودة النظم الشمولية والاستبدادية. عظيم.. غير أن أقطاب المنتدي المدني كانوا قد فطنوا مبكرا الي أهمية دعم المعارضة وتكوين برلمان قوي حتي تزدهر الديمقراطية. واكدوا حاجة البلاد الي مؤسسات ديمقراطية قوية اكثر من حاجتها الي شخصيات قوية. ما أشبه أمنيات الليلة بالبارحة لست في معرض المقارنة بين الثورة المخملية وثورة يناير المصرية. لكن الثورة, في أي زمان ومكان, تستهدف تغيير الواقع, وفتح الآفاق الرحبة للحرية والكرامة الانسانية, عبر نظام ديمقراطي يرتكز علي أحزاب قوية ومؤسسات قوية قادرة علي كبح جماح أي قوي تسول لها مصالحها أو طموحاتها الشخصية اختطاف الثورة.. والعودة بالبلاد عبر الأقنعة المراوغة والمخادعة الي جمهورية الاستبداد والفساد والخوف. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي