لو صحت تفاصيل رواية الشاب عمر فاروق عبدالمطلب, فإن بريطانيا شريكة ضالعة في الفشل, ومهما حاولت الحكومة البريطانية اثبات ان الشاب المتهم بمحاولة تفجير طائرة نورث ويست ليلة عيد الميلاد لم يعتنق الافكار المتطرفة خلال معيشته علي أراضيها. فإنه يصعب أن تنجح في التنصل من الفشل, فأحدث تعديل لاستراتيجية الحكومة البريطانية لمكافحة الارهاب تقول: نعلم ان بعض المواطنين البريطانيين مازالوا يسافرون للخارج للتدرب علي كيفية تنفيذ هجمات ارهابية. وان كان الشاب النجيري قد اعتنق الافكار الارهابية في اليمن كما تقول أجهزة الاستخبارات البريطانية, فإن للبريطانيين أن يتوقعوا من رئيس حكومتهم إعلانا مماثلا لاعلان الرئيس الامريكي باراك أوباما: انني أتحمل مسئولية ماجري في نهاية المطاف فدور بريطانيا في اليمن أكبر بكثير مما هو معلن, ولم يكن مؤتمر لندن حول اليمن الاسبوع الماضي سوي اقرار بفشل هذا الدور وبداية لإعادة الحسابات البريطانية في التعامل مع اليمن. كان اليمن بؤرة اهتمام الاستخبارات والجيش والدبلوماسية البريطانية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001, واذا كانت القيادة الوسطي الامريكية تركز الآن, خاصة مع زيارة قائدها الجنرال ديفيد بيتريوس بأمر من الرئيس أوباما لصنعاء ولقائه بالرئيس اليمني علي عبدالله صالح أوائل الشهر الماضي, فإن الاهتمام ثم الوجود البريطاني متعدد الاشكال باليمن يبدو أكثر تأثيرا في مساعدة الحكومة اليمنية فعليا. الاهتمام الفعلي ظهر للعلن بوضوح عام2004 عندما بدأ المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية, الذي يضم نخبة كبيرة من الخبراء الأمنيين والاستخباراتيين والعسكريين البريطانيين القمة السنوية للأمن الاقليمي بالبحرين والتي باتت تعرف بحوار المنامة. وطول السنوات الست الماضية, ظل اليمن أحد محاور النقاش الرئيسية, وفي القمة الأخيرة في ديسمبر الماضي شارك مدير مكتب الرئيس اليمني ورئيس جهاز الامن القومي اليمني في الحوار وأول القضايا التي أثارها هي الارهاب واحتياجات اليمن لمكافحته. مؤتمرات هذا المركز, الذي تسمح قواعده بأن يجري دراسات بطلب وتمويل وزارات معينة بالحكومة البريطانية, هي أحد مصادر المعلومات الرئيسية لصانع القرار البريطاني خاصة في القضايا الأمنية في منطقة الخليج. والمعلومات والتحليلات الناتجة عن نشاط المركز كانت أحد أسباب شعور الحكومة البريطانية, كما قال وزير خارجيتها ديفيد ميليباند بأن الوضع في اليمن خلال الشهور الثمانية عشر الماضية مصدر قلق متنام في المنطقة, وكذلك بالنسبة للحكومة البريطانية. هذا القلق استنفر الوزارات المسئولة عن الأمن القومي البريطاني, فخرجت, بعد التشاور مع حلفاء مثل الولاياتالمتحدة, باستراتيجية جديدة في شهر سبتمبر الماضي, والمنفذ الرئيسي لها وزارات: الخارجية والتنمية الدولية والدفاع, ووفق الخارجية البريطانية فإن تلك الاستراتيجية تشمل: دعم الهياكل السياسية, ومعالجة أسباب الاقتتال الداخلي مثلما يحدث مع الحوثيين, وبناء قدرات اليمن علي معالجة مسائل الوضع الأمني والارهاب, ومساعدة الحكومة اليمنية في ادارة أعمال الدولة, إصلاح السلك القضائي وتدريب الشرطة علي احترام حقوق الانسان. وأخر مساعدة قدمتها بريطانيا للحكومة اليمنية هي احتواء لندن للمعارضة الجنوبية اليمنية, فمنذ شهور عقد ميليباند اجتماعا لم يعلن عنه في مدينة كارديف, عاصمة اقليم ويلز مع ممثلي اللاجئين السياسيين اليمنيين الجنوبيين, وشارك فيه محمد طه مصطفي سفير اليمن في لندن, وكانت رسالة بريطانيا, كما تقول المصادر هي لاتفريط في وحدة الاراضي اليمنية وترجع أهمية رسالة ميليباند إلي ان بريطانيا تؤوي آلافا من الجنوبيين الذين يدفعون باتجاه انفصال الجنوب فأرادت لندن أن تبرهن لصنعاء أنها تعتبر وحدة اليمن خطا أحمر. غير ان حادثة عمر فاروق عبدالمطلب أثبتت للندن شكوكها في نجاح استراتيجيتها تجاه اليمن, ففي شهر نوفمبر2006 جمعت العاصمة البريطانية اجتماعا دوليا أسفر عن تعهد الدول المانحة بتقديم5 مليارات دولار لمساعدة اليمن, وفي شهر أغسطس2007 وقعت وزارة التنمية الدولية البريطانية مع الحكومة اليمنية, ما وصفه البريطانيون بأنه تعهد شمل ترتيبات لشراكة من أجل التنمية علي مدي10 سنوات, غير أنه لم يكد يمر عام, حتي جمدت بريطانيا المعونات التي تعهدت بها بقيمة108 ملايين جنيه استرليني بين عامي2008 و2011 ووفق تقارير مجموعتي الشرق الاوسط في وزارتي الخارجية والتنمية الدولية البريطانيتين فإن الفساد وسوء ادارة المؤسسات وتباطؤ جهود مكافحة الارهاب جعل من المستحيل تحويل الاموال لليمن. وفي الخامس من يناير الماضي أبلغ ميليباند مجلس العموم بأن حكومته باتت تشعر بقلق متزايد حيال الوضع في اليمن, وبشأن عدد وحجم التحديات التي تواجهها الحكومة والشعب اليمنيان وكشف عن ان إيمان لندن يتزايد بأن ازدياد انعدام الأمن والاستقرار في اليمن يشكل تهديدا لمنطقة الخليج, وللشرق الاوسط علي نطاق أوسع, وكذلك للمملكة المتحدة. ولذا فإن مؤتمر لندن بدا كأنه استدعاء للحكومة اليمنية للمثول إلي المانحين والقوي الدولية والاقليمية المعنية, ووصف مراقبون المؤتمر بأنه كان مناسبة جمعت فيها بريطانيا كل من يهمهم الامر كي يضعوا الحكومة اليمنية أمام مسئوليتها في مكافحة الارهاب بشكل جدي وتحقيق اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية فاعلة تسهم في مواجهة التطرف بفاعلية, وهذا هو الترجمة الحرفية لما كان قد قاله رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون عندما أعلن عن مؤتمر لندن الذي وصفه بأنه وسيلة مهمة يمكننا من خلالها تطوير ارادة السلطات اليمنية في الاستمرار في مكافحة الارهاب بزخم أكبر. ورغم ان مدة المؤتمر لم تتجازو الساعتين فإنهما كانتا كافيتين لعرض رؤية بريطانيا لأفضل السبل للتعامل مع اليمن وأزماته من الآن فصاعدا وفتح صفحة جديدة في مواجهة الخطر المطل برأسه من أقصي جنوب الجزيرة العربية, وعنوان هذا الصفحة هو أن الحكم في اليمن ليس فاعلا, من وجهة نظر لندن, فقبل أن يعلن عن المؤتمر في شهر ديسمبر الماضي وصف براون اليمن بأنه دولة فاشلة, هذه الرؤية البريطانية لليمن انعكست, كما قالت مصادر ل الاهرام في طريقة التعامل الحريصة مع الوفد اليمني منذ وصول طائرته إلي مكان ما في لندن, وحتي مغادرته عقب المؤتمر مما أثار استياءه, كما أثار استياءه ان بريطانيا لم تستجب لمطلب اليمن بالتخلي تماما عن وصفه بالدولة الفاشلة, وكل ما استطاعت بريطانيا فعله هو أن تعتبر, وكما قال مسئول ملف الشرق الأوسط بخارجيتها أيفن لويس دولة هشة.