سعر الريال السعودي اليوم الإثنين 19 مايو 2025 في البنوك    الأربعاء المقبل.. طرح كراسات شروط حجز 15 ألف شقة لمتوسطي الدخل بمشروع سكن لكل المصريين    سرطان عدواني يصيب بايدن وينتشر إلى العظام.. معركة صحية في لحظة سياسية فارقة    ترامب يعرب عن حزنه بعد الإعلان عن إصابة بايدن بسرطان البروستاتا    «بعد لقطة المجنون».. متحدث الزمالك يسخر من عضو مجلس إدارة الأهلي (شاهد)    أمير هشام: هناك اتجاه داخل الأهلي لوجود ريفيرو في التدريبات قبل لقاء فاركو    مجدي عبدالغني يصدم بيراميدز بشأن رد المحكمة الرياضية الدولية    الانَ.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 بمحافظة المنيا ل الصف الثالث الابتدائي    محمد رمضان يعلق على زيارة فريق «big time fund» لفيلم «أسد».. ماذا قال؟    بعد إصابة بايدن.. ماذا تعرف عن سرطان البروستاتا؟    الكنائس الأرثوذكسية تحتفل بمرور 1700 سنة على مجمع نيقية- صور    إصابة شخصين في حادث تصادم على طريق مصر إسكندرية الزراعي بطوخ    أسطورة مانشستر يونايتد: صلاح يمتلك شخصية كبيرة..وكنت خائفا من رحيله عن ليفربول    رئيس الحكومة الليبية المكلفة: خطاب عبد الحميد الدبيبة إدانة لنفسه    151 شهيدا فى غارات إسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر الأحد    مصرع شابين غرقا أثناء الاستحمام داخل ترعة بقنا صور    لجنة الحج تعلن عن تيسيرات لحجاج بيت الله الحرام    تعرف على موعد صلاة عيد الأضحى 2025 فى مدن ومحافظات الجمهورية    مباراة فاصلة؟ ماذا يحتاج نابولي "المسيطر" وإنتر "المنتظر" للتتويج بالدوري في الجولة الأخيرة    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    رجل الأعمال ماهر فودة يحضر العرض الخاص ل"المشروع X" بصحبة خالد صلاح وشريهان أبو الحسن    هل توجد زكاة على المال المدخر للحج؟.. عضوة الأزهر للفتوى تجيب    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    شيكابالا يتقدم ببلاغ رسمي ضد مرتضى منصور: اتهامات بالسب والقذف عبر الإنترنت (تفاصيل)    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    في أول زيارة رسمية لمصر.. كبير مستشاري الرئيس الأمريكي يزور المتحف المصري الكبير    رسميًا.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وATM وإنستاباي بعد قرار المركزي الأخير    24 ساعة حذرة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «اتخذوا استعدادتكم»    القومى للاتصالات يعلن شراكة جديدة لتأهيل كوادر مصرفية رقمية على أحدث التقنيات    البابا لاوون الرابع عشر: العقيدة ليست عائقًا أمام الحوار بل أساس له    مجمع السويس الطبي.. أول منشأة صحية معتمدة دوليًا بالمحافظة    حزب "مستقبل وطن" بسوهاج ينظم قافلة طبية مجانية بالبلابيش شملت الكشف والعلاج ل1630 مواطناً    بتول عرفة تدعم كارول سماحة بعد وفاة زوجها: «علمتيني يعنى ايه إنسان مسؤول»    أحمد العوضي يثير الجدل بصورة «شبيهه»: «اتخطفت سيكا.. شبيه جامد ده!»    أكرم القصاص: نتنياهو لم ينجح فى تحويل غزة لمكان غير صالح للحياة    ننشر مواصفات امتحان مادة الرياضيات للصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2025    من أجل علاقة مُحرمة مع طفل... كيف أنهت "نورهان" حياة والدتها في بورسعيد؟    وزير الرياضة يشهد تتويج جنوب أفريقيا بكأس الأمم الإفريقية للشباب    دراما في بارما.. نابولي يصطدم بالقائم والفار ويؤجل الحسم للجولة الأخيرة    الشرطة الألمانية تبحث عن رجل أصاب 5 أشخاص بآلة حادة أمام حانة    رئيس لبنان: هل السلاح الفلسطيني الموجود بأحد المخيمات على أراضينا قادر على تحرير فلسطين؟    إطلالات ساحرة.. لنجوم الفن على السجادة الحمراء لفيلم "المشروع X"    وزير المالية الكندي: معظم الرسوم الجمركية على الولايات المتحدة "لا تزال قائمة"    أسعار الذهب اليوم الإثنين 19 مايو محليا وعالميا بعد الارتفاع.. بكام عيار 21 الآن؟    المستشار القانوني للمستأجرين: هناك 3.5 ملايين أسرة معرضة للخروج من منازلهم    بحضور رئيس الجامعة، الباحث «أحمد بركات أحمد موسى» يحصل على رسالة الدكتوراه من إعلام الأزهر    تعيين 269 معيدًا في احتفال جامعة سوهاج بتخريج الدفعة 29 بكلية الطب    رئيس الأركان الإسرائيلي: لن نعود إلى ما قبل 7 أكتوبر    مشروب طبيعي دافئ سهل التحضير يساعد أبناءك على المذاكرة    هل الرضاعة الطبيعية تنقص الوزن؟- خبيرة تغذية تجيب    البابا لاون الثالث عشر يصدر قرارًا بإعادة تأسيس الكرسي البطريركي المرقسي للأقباط الكاثوليك    أمين الفتوى: يجوز للمرأة الحج دون محرم.. لكن بشرط    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    9 وزارات تدعم الدورة الرابعة لمؤتمر CAISEC'25 للأمن السيبراني    تعليم الشيوخ تستكمل مناقشة مقترح تطوير التعليم الإلكتروني في مصر    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسميم مناخ العيش المشترك‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 02 - 2010

كانت ريونين ابنة سبعة عشر ربيعا‏,‏ وشد ما كانت جميلة‏,‏ وأنيقة‏,‏ يستلقي شعرها كثيفا مجدولا علي رقبتها الرقيقة‏,‏ فيلمع وجهها الأبيض كاللؤلؤ‏,‏ ومثل بحيرة تتألق عيناها العميقتان‏.‏ ومع بدايات العمر تفجرت لديها قدرات إنسانية إبداعية‏,‏ فتحت المجال واسعا للانطلاق بمشاعرها إلي الآخر‏,‏ فراحت تعزف الموسيقي‏,‏ وترسم‏,‏ وتكتب شعرا‏,‏ وكأنها قد صاغت بذلك لنفسها سكنا في مجتمعها‏,‏ يقاوم الانعزال والانغلاق ويسعي إلي التقارب‏,‏ إذ وضعت للصمت حدا بابداعاتها المتنوعة‏,‏ بوصفها جميعها جسور تواصل تستولد مع مجتمعها علي اختلاف افراده حالة من التعايش والتوافق‏,‏ حيث تكسر فراغه بالرسم‏,‏ وتمحو صمته بالموسيقي‏,‏ وباللغة تحقق تداولا مع المتماس والمتباعد‏.‏ كانت ريونين من خلال هذه الإبداعات تشيد بوابة تجاذب في علاقتها بمن حولها‏,‏ حيث تحمل هذه الإبداعات تجليات الرغبة المتنوعة الأساليب في استدعاء الآخر‏,‏ احتفاء بالتواصل والتشارك في المشاعر والعواطف حتي لا تنعزل وحيدة‏,‏ إدراكا بأن مبادرات الانفتاح تعزز القدرة علي استيعاب الآخر بمماثلاته واختلافاته‏,‏ كما يمنع التواصل الضرر‏,‏ ويحاصر المخاطر‏,‏ بل كل ما يسببه الانعزال وغياب تقاليد التواصل‏,‏ والرهان تثمين الحياة وتحريرها ممايحد من فعاليتها‏,‏ وينفي عنها مفاهيم التعايش‏.‏ إن لفظة ريونين تعني لغويا‏:‏ الفهم المبين‏,‏ هذه المماثلة بين دلالة الاسم الذي تحمله وتجليات كيانها الداخلي في سلوكها‏,‏ تعايشا ومشاركة فاعلة‏,‏ عبورا إلي الآخر‏,‏ هل تعني ان ريونين‏,‏ في سياق بنية ثقافية‏,‏ وممارسة بلا ممانعة‏,‏ قد تشربت عبر التنشئة‏,‏ والتعليم‏,‏ والتربية معني الاعتراف والانفتاح علي الآخر‏,‏ بوصف ذلك تجسيدا للفهم المبين للمسئولية المتبادلة في البناء المشترك للحياة العامة‏,‏ وصياغة مصيرها بمبدأ التعايش؟هب الخبر الفجائي المداهم‏,‏ والمستعصي علي فهم الجميع الذي مفاده أن ريونين قررت الانعزال بعيدا عن الناس‏,‏ والاقلاع عن كل ممارساتها السابقة‏,‏ ومغادرة العيش المشترك إلي حياة مغلقة في عزلة بمعبد خارج المدينة‏.‏ كان الخبر منغلقا مختزلا بلا تفاصيل يمكن من خلالها التغلغل إلي الأسباب والدوافع‏,‏ كشفا عن جوهر المعضلة‏.‏ ولأن التفكير قوة تتحدي قوي اللا فهم‏,‏ ولأن أهم شروط الفهم التحقق من مصدر الفهم‏,‏ بالغوص في خفاياه‏,‏ تخلصا من كل صور انغلاقاته‏,‏ ولأن قرار الانعزال المبهم بفجائيته يعد مصدر الفهم‏,‏ لذا فإن ما يستنبط منه تأويلا أنه محض رفض معلن لمشروعية كل ممارسات ريونين السابقة‏,‏ وإدانة الاحساس بالرضا عن نفسها الذي استشعرته نتيجة ممارساتها‏,‏ ثم إقصائها عن مجتمعها‏,‏ وكذلك اقصاؤها عن نفسها‏,‏ وذلك ما يعني أن هناك غرسا ثقافيا برانيا خبيثا وهميا مضادا‏,‏ تعرضت ريونين له فتسيد عليها‏,‏ بأن استحضر أمامها الآخر بشكل سلبي‏,‏ وشحذ مشاعر الكراهية ضده‏,‏ وفرض تخليها عن العيش المشترك وعزز انطواءها‏,‏ سواء أكان تواصلا أم تبادلا مع الآخر‏,‏ لذا تنصلت ريونين من فهمها المبين‏,‏ واستسلمت لمن سمم لها معني التعايش المشترك‏.‏ وفي مواجهة هذه التعمية التي اختطفت ريونين‏,‏ وقوبلت مشاعرها بالجنوح المتطرف نحو الكراهية‏,‏ والإقصاء‏,‏ والاستبعاد‏,‏ والانعزال‏,‏ حاولت أسرتها أن تمهد لجو من الانفراج لأزمتها الراهنة‏,‏ بأن تفتح الباب أمام مفاهيم الممارسات والعلاقات لأنماط الحياة‏,‏ حتي لا تعفيها من مسئوليتها الاجتماعية‏,‏ فطلبت إليها أسرتها أن تتزوج‏,‏ وتنجب ثلاثة أطفال‏,‏ من بينهم ولد‏,‏ تأمينا لاستمرار المجتمع‏,‏ ثم إن كانت لا تزال لديها الرغبة بعد ذلك في الرحيل فلها ذلك‏.‏ كان علي ريونين أن تقر أولا بالقبول‏,‏ إذ في ظل قبولها سوف يتحقق لها منعطف انسحابها من زمن مجتمعه‏,‏ والشروع في إنجاز رغبتها في الانزال‏.‏ صحيح أن الإنسان قادر علي الخير والشر‏,‏ لكن الصحيح أيضا أن الضعف يجعل الشر ممكنا‏,‏ لذا فإن ضعف ريونين وهشاشتها‏,‏ وتبعيتها‏,‏ جعل الكراهية داخلها تنتصب ضد الآخر وترفضه‏,‏ فأسلمت بذلك نفسها لمن سمم حياتها‏,‏ ولاشك أن الأسرة في مطلبها كانت تدافع عن مشروعية قيم التواصل العقلاني‏,‏ والمشاركة‏,‏ والانفتاح علي الآخر‏,‏ والاعتراف باختلافه‏,‏ والتأكيد أن موقف الإنسان الصحيح يكون نتاج وعي ومعرفة يمنحان التواصل أفقا لمعني التنامي‏.‏
رضخت ريونين لمطلب أسرتها‏,‏ تري هل رضوخها يعمي عودتها إلي مفهوم الحياة المشتركة‏,‏ بوصفه الخيط الناظم لاستمرار سلامة الحياة‏,‏ أو أنه تجميد للموقف‏,‏ باعتباره مرحليا تبشيرا ليس أعمي‏,‏ إذ يسكنه قصد الانتظار للانفلات عندما يحين الزمن ؟ تري أهو قرار استراتيجي؟ اطمأنت الأسرة أن ابنتها نسيت تماما تلك الفكرة الغريبة‏,‏ وأنها نجحت في تدجين وجودها‏,‏ إذ بعد عامين تزوجت ريونين‏,‏ و أنجبت صبيا‏,‏ وبنتين‏.‏ ثم مرت سبع سنوات أخري‏,‏ وذات صباح‏,‏ أعلنت ريونين أمام دهشةأسرتها أن عليها المغادرة كي تحقق انعزالها عن الناس‏.‏ لم يستطع والداها‏,‏ ولا زوجها‏,‏ ولا أطفالها ثنيها عن عزمها‏,‏ تري هل تدرك معني مسئوليتها عن سلوكها ودلالته‏,‏ وعدم صلاحه أو جدارته‏,‏ لما يترتب عليه من ضرر ينطوي علي مخاطر تدمر حياة أطفالها؟ إذا ما كانت الأفكار تستمر قوة إقناعها للناس من اعتمادها علي ما تحمله من قدرة علي طرح مستقبل يتضاد مع كل نواقص الحاضر ومساوئه‏,‏ وإذا ما كانت اضطرابات حياة البشر تولد من عواطفهم‏,‏ أكثر مما تولد من حاجاتهم‏,‏ تري أي مستقبل تقدمه الأم ريونين بفعلتها تلك إلي اطفالها‏,‏ وكيف تحمي عواطفهم أو حاجاتهم من خيبات هذا المستقبل برحيلها؟ صحيح أن الاتفاق بينها وبين أسرتها يسمح لها بالرحيل‏,‏ لكن الصحيح كذلك أن الشروط الاجتماعية قد تغيرت‏,‏ وتولدت في ظلها ل ريونين مسئوليات جديدة‏,‏ يعني التخلي عنها انسلاخا عن اطفالها‏,‏ بل افول لواجب الأمومة‏.‏ تري أليس في ظل قدرتها علي الاختيار تستوجب عليها مسئولياتها أن تصحح إدراكها للحاضر‏,‏ ووعيها بمستجداته‏,‏ والتنبؤ بالمستقبل واستشرافه‏,‏ إذ دون ذلك يصبح سلوكها آليا‏,‏ منغمسا في الماضي الجاثم علي تفكيرها‏,‏ الذي لا يتوالد فيه معني التساؤل المنفتح علي كل الاحتمالات‏,‏ حيث يضع في الحسبان زمن التساؤل وظروفه وأشخاصه‏,‏ تجنبا للاختيار الخاطيء؟ لقد رحلت الأم ريونين عن أطفالها دون أن يتسلل أي استعصاء للرحيل‏,‏ يتجلي في أزمة ضمير‏,‏ أو خذلان لوجدانها في حضور المشهد الماثل أمامها‏.‏
وقفت أمام معلم بأحد المعابد‏,‏ تطلب استبقاءها تحقيقا لانعزالها الاجتماعي‏,‏ رفض الرجل قبولها‏,‏ مبررا ذلك بأن جمالها الساحر الآخذ‏,‏ سيكون بالنسبة إلي جماعته مثارا للفوضي والاضطراب‏,‏ حلقت ريونين شعرها‏,‏ وارتدت ثوب المتسولات‏,‏ ثم مثلت أمام معلم آخر في معبد مجهول خارج المدينة‏,‏ تأملها المعلم‏,‏ ورفض قبولها‏,‏ مشيرا إلي أن لؤلؤ خديها سيسلب تلاميذه الشبان عقولهم‏.‏ وذات صباح عند مرورها قرب بائع فطائر مقلية‏,‏ أمسكت فجأت بالمقلاة الحارقة‏,‏ وكوت بها خدها الأيمن‏,‏ ضاغطة حتي أحدثت فيه جرحا قبيحا‏,‏ فزال في ثوان حسنها الفتان إلي الأبد‏,‏ وانتهت بذلك حكاية ريونين‏,‏ إحدي الحكايات التراثية لمذهب الزن الياباني‏,‏ التي انتقاها وضبطها الكاتب الفرنسي هنري برونل‏.‏ تطرح الحكاية صرخة مدوية في مواجهة ريونين‏,‏ التي ينكسر مجتمعها خارجها بفعلها‏,‏ ولي ثمة رنين لانكساره في داخلها‏,‏ لقد خسرت دلالة اسمها الفهم المبين بفعلها‏,‏ واصبحت نموذجا لعجز الفهم وتنطعه‏,‏ وخسرت جمالها الآخذ‏,‏ وغدت مثالا للقبح‏,‏ ورفضتها المعابد كلها‏.‏ لقد انسحبت منعزلة من ممارسات العيش المشترك‏,‏ وهجرت أخلاق التواصل وأساليبه‏,‏ حين استسلمت للكراهية‏,‏ فكرهت الآخر‏,‏ ثم كرهت نفسها‏,‏ وأساءت إلي الآخر وأصابته بالضرر‏,‏ كما أساءت إلي نفسها واصابته بالضرر‏,‏ وسواء أكانت أفعالها بمقاصدها ودوافعها تنسب إليها ذاتيا‏,‏ أم أنها نتيجة هاجس داخلي أو غرس خارجي وهمي خبيث وقعت تحت تأثيره‏,‏ ففي الحالين تحتفظ أفعالها بمعناها السلبي وتأثيرها المدمر في مجتمعها‏,‏ وتقع المسئولية علي عاتقها وحدها‏.‏
تري أليس علينا أن نعيد التدقيق في دلالة القطيعة مع العيش المشترك‏,‏ التي تسمم المناخ الوطني المصري‏,‏ ويقودها مثيرو التطويف في مجتمعنا‏,‏ بممارسة الفرز الطائفي الديني من مسلمين ومسيحيين‏,‏ ابتداء من العنف الذي يختبيء في اللغة إلي ممارسات العنف المادي بجرائم القتل‏.‏ صحيح أنه ليس هناك نظام سياسي أو اجتماعي‏,‏ يختفي فيه التحديد بين ما يملكه فرد‏,‏ وما يملكه غيره‏,‏ وصحيح أيضا أن معتقدات كل فرد وافكاره ودينه هي أمور من خصوصياته‏,‏ لكن الصحيح كذلك أن المواطنة لا تتبدي بوصفها حقيقة مجتمعية‏,‏ وقوام الحياة الفاعلة إلا في ظل ضمان حقوق المواطنين‏,‏ واحترام حرياتهم‏,‏ وهو ما لا يرسخه إلا القوانين التي تحمي حقوق المواطنة‏,‏ في ظل المتغيرات التي تستهدف التحريض الداخلي أو الخارجي بالغرس الوهمي الخبيث لنشر الكراهية تفتيتا لمضمون المواطنة‏,‏ في وطن انتخب عام‏1928‏ المسيحي المصري ويصا باشا واصف‏,‏ رئيسا لمجلس النواب من دون أية حساسية‏,‏ وخرجت جماهير المصريين عام‏1931‏ تشيع جنازته وهي تهتف لن ننساك يامحطم السلاسل‏,‏ إذ عندما عطل الملك فؤاد البرلمان‏,‏ وأغلقه بالسلاسل‏,‏ تقدم ويصا واصف رئيس المجلس‏,‏ وأمر الحرس بتحطيم السلاسل‏,‏ وفتح الأبواب‏,‏ ودخل مع نواب الشعب‏,‏ وترأس الجلسة‏.‏ هذا أحد تجليات قدرة المجتمع المصري‏,‏ في ممارسته الموحدة لإرادته بالعيش معا‏.‏ لكن لابد من الحذر إدراكا بأن ما يفرق ويفصل يولد كراهية وحقدا‏,‏ وأن التشريعات الحاضنة للمواطنة هي حصن الوطن في مواجهة المخاطر‏.‏
المزيد من مقالات د.فوزي فهمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.