عصام هاشم ونحن نستعرض بعضا من المواقف والدروس التي جاءت بها السيرة النبوية العطرة, لاننسي قيمة الوطن ومكانته في الإسلام, بل ومنزلته لدي صاحب الذكري النبي الأعظم محمد صلي الله عليه وسلم.. ذلك الوطن الذي هان علي أصحابه الآن وبات يصرخ بشدة ويشكو لخالقه مما يدبر ضده في الداخل والخارج من خيانة وعمالة ومهانة وإذلال, فضلا عن معاول الهدم والتخريب التي ترتكب باسم الإصلاح ومسميات أخري! ويوضح الدكتور زكي محمد عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة أن الانتماء للوطن ليس مجرد شعارات أو كلمات تموت علي الشفاه, بل هو حب وإخلاص وفداء وتضحية, فبقيمة الأوطان ترتقي الشعوب وبصلاح الأوطان تسعد البشرية.. ذلك ان الوطن في مفهومه الواسع والشامل هو الأرض التي أمرنا الله عز وجل بإعمارها في قوله تعالي هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها وقوله ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ماتشكرون. وأضاف: أن الوطن هو الأرض والشعب والنظام والقيم.. والوطن كذلك هو إرادة وإدارة.. وهناك قاسم مشترك بين الإنسان والوطن الذي يعيش علي أرضه, يتجسد هذا القاسم في التراب الذي تتكون منه أرض الوطن.. فمن هذا التراب خلقنا وعليه نحيا وبداخله ندفن إلي أن يبعثنا الله يوم القيامة قال سبحانه ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون, فالإنسان خلق في هذه الدنيا للإعمار وليس الإفساد, والمؤمن الصادق هو الذي يعرف قيمة وطنه ويعلي انتماءه له فوق كل انتماء, فحب الوطن ليس ترفا أو رفاهة, بل هو واجب شرعي, كما أن الدفاع عن الوطن ضد المعتدين واجب شرعي أيضا لايجوز التخلف عنه بغير عذر, فالانتماء للوطن يعني الإنسان المحب لأرضه المرتبط بها أيما ارتباط, يدافع عنها بكل ما لديه من بدمه وماله وروحه حتي تكون أرضه أرضا نقية, فيها كرامته وعزته وبقاؤه في الدنيا.. وقد ضرب النبي صلي الله عليه وسلم أروع نموذج لذلك, فرغم كل ما لاقاه في مكة من إيذاء وظلم واعتداء حتي أجبر علي الهجرة إلي المدينة, لم يقابل الظلم بظلم, ولا العدوان بعدوان, ولكنه ودع مكة وعيناه تذرف دمعا, وقال: والله إنك أحب بلاد الله إلي الله, وأحب بلاد الله الي, ولولا أن أهلك أخرجوني منك ماخرجت.., ولم يزل الحنين يراوده صلي الله عليه وسلم, حتي بعد ان هاجر, فكان حينما يأتي إليه صحابي ويحدثه عن بعض الذكريات في مكة يقول النبي صلي الله عليه وسلم: لا تهيجنا يا فلان. وبعد ثمانية أعوام من البعد والحنين يتحقق موعود الله عز وجل لنبيه الكريم حين قال إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد وها هو رسول الله يعود ثانية إلي وطنه الأصلي مكة التي عاش فيها طفولته وصباه وشبابه ورجولته. ويؤكد الدكتور زكي عثمان أنه لا يجوز لمسلم أن يخون وطنه أو يبيعه مهما كان الثمن, كما لا يجوز الاعتداء علي الوطن والنيل من مقدراته والعبث بممتلكاته, مهما لاقي الإنسان من ظلم وقهر, لأن الظلم يكون من إنسان مثله وليس من الوطن.. فالأوطان لاتستحق من أصحابها مانراه اليوم من عبث وتخريب وتدمير مهما رفع المعتدون من شعارات إصلاحية.. فكيف يبدأ الإصلاح بالإفساد في الأرض وتدمير الأوطان!!