تبدأ مصر الآن واحدة من أخطر فترات تاريخها الحديث, وهي الفترة التي ستنهض بها الي مصاف دول العالم الثالث الكبري, أو ستدخلها مرحلة مظلمة تبدو فيها فترة حكم مبارك أخف وطأة, واذا بدت كلماتي هذه صادمة فذلك لأن البلاد مازالت ومنذ أيام في نشوة الفرح بانتصار ثورة52 يناير, لكن عما قريب ستذهب السكرة وتأتي الفكرة, كما يقول المثل العام. إن إسقاط النظام القديم الذي دام03 عاما بأسلحته القمعية النافذة هو إنجاز عظيم لم يكن أحد يتصوره, لكن مرحلة البناء التي بدأت الآن هي أكثر صعوبة وتحفها الكثير من المخاطر وهي تحتاج الي تكاتف جميع قوي الشعب التي التفت حول ثورة وأعطتها زخمها, لكي تبدأ اليوم مرحلة بناء الديمقراطية التي هي بوابة الطريق الي الدولة العصرية التي نتطلع إليها والتي تتطلب عملية غاية في الدقة تضمن أن تنسلخ البلاد أخيرا من نظام الحكم العسكري الي نظام مدني لأول مرة منذ منتصف القرن الماضي. لقد كانت الديمقراطية هي المطلب الأول لثورة52 يناير, أما بقية المطالب فلم تكن أكثر من الوسائل التي تضمن تحقيق تلك الديمقراطية, فلم يكن من الممكن تحقيق الديمقراطية إلا بإسقاط النظام والقضاء علي الفساد السياسي والاقتصادي الذي كان يعترض طريقها. واذا كان الموقف الوطني للجيش حاسما في إنجاح الثورة, فذلك لأنه لم يكتف بحماية المتظاهرين في الشوارع والميادين بعد أن ضربتهم قوات النظام بمختلف الأسلحة فحصدت ما يزيد علي003 روح طاهرة لخيرة شبابنا وما يربو علي ال0005 جريح, وإنما لأنه تبني مطالب الثورة وجعل من نفسه ضامنا لتحقيقها, ثم بعد أن آلت إليه رئاسة البلاد يوم11 فبراير تعهد بضمان انتقال البلاد الي نظام الحكم المدني المطلوب. وإني علي ثقة أن الأيام ستكشف عما قريب عن دور وطني آخر أكثر خطورة قام به الجيش المصري, في الوصول الي النتيجة التي وصلت إليها الثورة والتي أدت الي تخلي رئيس الجمهورية عن منصبه علي النحو الذي تم به. وقد يبدو الموقف الحالي فريدا من نوعه حيث ستجري عملية الانتقال من الحكم العسكري الي الحكم المدني بضمان العسكرية ذاتها, وتحت إشراف الجيش الذي آلت إليه مقاليد الأمور, بعد أن تعالت أصوات كثيرة طوال أيام الثورة تطالبه بتدخله لحسم الأمور. ونحن لا نعتقد أن ذلك كله قد فتح شهية الجيش للعمل السياسي حتي الآن, ولا نتمني أن يحدث هذا, وإنما نشير فقط الي وضع يقوم علي مفارقة واضحة تتمثل في إشراف الجيش علي تحول البلاد من نظام الحكم العسكري الي النظام المدني, وتلك من حقائق المرحلة الجديدة التي بدأت الآن بعد نجاح الثورة, واذا كان علينا أن ننجح في تحقيق هذا التحول المطلوب الذي قامت من أجله الثورة فينبغي علينا أن نري خريطة الأرض التي نقف عليها بوضوح حتي نحدد كيف سنتعامل معها. من ناحية أخري, فإن الجيش من جانبه أصبح مطالبا الآن أكثر من ذي قبل بطمأنة الناس الي أنه يعي دوره في المرحلة المقبلة, وبالتأكيد مضيه علي طريق حماية الوطن والأمن القومي وضمان إتمام عملية التحول المطلوب بطريق سلمي, فذلك هو الموقف الناضج الذي اختاره الجيش منذ بداية الأزمة والذي عليه أن يؤكده في كل قرار يتخذه من موقعه الجديد في سدة الرئاسة. وربما كان من أهم ما علي الجيش أن يقوم به الآن, وقد آلت إليه مقاليد الأمور, هو إعلانه عن إلغاء قانون الطوارئ الذي أصبح رمزا لعهد انقضي وإشارة لا يخطئها أحد الي بداية عملية التحول المطلوبة الي النظام الجديد, وتلك ليست مسألة صعبة, فقانون الطوارئ سقط بالفعل ولم يعد من الممكن الآن استخدامه بأي شكل من الأشكال بعد ما شهدته البلاد من تحولات خلال الأيام القليلة الماضية فلماذا التأخر في إقرار واقع قائم بالفعل؟ إن السياسة تعتمد في جانب كبير منها علي ما تحمله قراراتها من إشارات ودلالات, وإن إلغاء قانون الطوارئ يحمل إشارة واضحة الدلالة ربما كانت مطلوبة الآن بشكل ملح وعاجل. ويتبع ذلك قرار آخر يحمل إشارة مهمة هو الآخر, وهو قرار بالإفراج عن الشباب الذين مازالوا معتقلين في أماكن لا نعرفها ولا يعرف ذووهم عنهم شيئا منذ اختفوا خلال أيام الثورة ال.81 إن اتخاذ مثل هذه الخطوات يفتح الطريق أمام عملية التحول المطلوبة ويؤكد الدور الذي انتهجه الجيش باعتباره ضامنا لعملية الانتقال الي الحكم المدني الذي يستطيع وحده أن يحقق الديمقراطية التي قامت من أجلها الثورة, ذلك اذا كنا لا نريد أن يتسرب الشك الي نفوس الناس في إمكان الوصول الي الحكم المدني في ظل رئاسة الجيش. المزيد من مقالات محمد سلماوي