كانت دموع دينا عبد الرحمن التي تحجرت في عينيها, ومواساة محمود سعد لها ومطالبتها بعدم البكاء, هي ذروة الحدث الذي بدأ فعليا صباح الثلاثاء28 ديسمبر. بمقال في جريدة الشروق للزميل وائل قنديل,عن البطل المصري أحمد الهوان, الذي منحه الكاتب الراحل صالح مرسي اسم جمعة الشوان فطغي علي اسمه الحقيقي, بعد أن جسد شخصيته الفنان عادل إمام في المسلسل الشهير دموع في عيون وقحة, وفي مساء اليوم نفسه, استضافه برنامج مانشيت الذي يقدمه الزميل جابر القرموطي في حوار ترك مرارة في نفوس متابعيه, لكن ذروة الحدث علي طريقة الدراما الشكسبيرية كانت صباح الأربعاء الماضي.. وتحديدا في برنامج صباح دريم.. بعد إطلاق دعوة لبدء حملة شعبية تضامنا مع الشوان من أجل دفع تكاليف عملية جراحية أجريت له, واستدان بسببها من معارفه وجيرانه بضمان الشقة التي يسكن فيها, وكانت الاستجابة سريعة من الإعلاميين محمود سعد, وأحمد المسلماني, والاستشاري الهندسي الشهير د.ممدوح حمزة, ووزير سابق رفض ذكر اسمه وكان يمكن أن ينتهي الأمر عند هذا الحد.. بطل عملية مخابراتية شهيرة يتحدث بانكسار ومرارة لأنه يعاني من الإهمال والجحود, ولا يطلب سوي الرعاية الصحية ومعاشا يوفر له حياة كريمة.. وهذه خلطة مؤثرة تستدر التعاطف, لكن مداخلة هاتفية مع الشوان ألهبت الموقف, وأبكت كثيرا من المشاهدين.. ليس لأن الشوان تحدث بإحباط وانكسار فحسب, ولكن وهذا هو الأهم لأنه لم يتمالك نفسه فبكي خلال حديثه.. وهو ما أربك مقدمة البرنامج التي حاولت تجاوز الموقف بتماسك وتمكنت من ذلك بالفعل.. ليأتيها اتصال جديد من الإعلامي محمود سعد, الذي أثني علي تماسكها, وأكد لها أنه يشعر تماما بالموقف الصعب الذي مرت به خلال المكالمة.. وأنه سيتحمل كافة تكاليف العملية الجراحية, وفك رهن شقته, وكذلك سيخصص له معاشا شهريا, كان محمود سعد يتحدث بحماس وتأثر واضحين, ما جعل دينا عبد الرحمن تتأثر بشدة, وتترقرق الدموع في عينيها لتفقد القدرة لحظيا علي الكلام.. لكنها تمكنت سريعا من استعادة ثباتها, لتطلب من محمود سعد الانتظار للتحدث إلي الشوان وإخباره بذلك بنفسه علي الهواء مباشرة; لينتهي الموقف الحزين, المتوتر علي طريقة الأفلام المصرية بنهاية سعيدة للبطل وللمشاهدين, الذين أسعدتهم مبادرة الإعلامي الشهير.. لكن القصة كلها تركت في حلوقهم غصة, وفي نفوسهم مرارة! وجمعة الشوان لمن لا يعرف اسمه الحقيقي أحمد محمد عبد الرحمن الهوان, ولد بمدينة السويس, وكان معروفا بين السوايسة ب الشاطر; لأنه في فترة قصيرة حقق نجاحا في مجال أعمال الميناء, وأسس شركة سياحية وهو لم يكمل عامه التاسع عشر.. حتي جاءت نكسة67, ففقد كل شيء وهجر السويس إلي القاهرة.. وساءت أموره بشدة, فقرر السفر إلي اليونان لمقابلة رجل أعمال اسمه باماجاكوس كان مدينا له بألفي جنيه إسترليني.. ولم يكن يدري أن الموساد قد وضعه تحت المنظار, وبدأ في نصب الشراك المعتادة من نساء وأموال لاصطياده.. ونجح الشوان في تضليل الموساد وخداعه, وكان ختام هذه المهمة الخطيرة أو رحلة الموت كما يطلق عليها العودة إلي المخابرات المصرية بأحدث وأصغر جهاز تجسس ظهر في السبعينيات, وبعدها انتحر ستة من أكفأ رجال الموساد الإسرائيلي الذين كانوا يتولون تدريبه طوال فترة عمله معهم! هذه باختصار قصة البطل المصري أحمد الهوان, الشهير بجمعة الشوان, الذي عاني منذ أكتوبر الماضي, ليس بسبب الجراحة الخطيرة التي أجراها فحسب, ولكن بسبب التجاهل والإهانة اللذين شعر بهما خلال مرضه, وقال إنه لو كان راقصة أو لاعب كرة أو مطربا للهث الجميع من أجل علاجه ورعايته! وأخطر ما في الأمر, أن هذه القصة المأسوية انفجرت أحداثها في وقت انشغل فيه الناس بقضية الجاسوس المصري طارق عبد الرازق, الذي تطوع للتعاون مع الموساد الإسرائيلي مقابل الحصول علي المال.. وكان القبض عليه سببا في دهشة الكثيرين وطرحهم سؤالا حائرا: كيف يستطيع شخص مهما بلغت وضاعته خيانة وطنه بملء إرادته لمجرد الحصول علي المال؟ وجاءت مأساة الشوان وتصريحاته المريرة لتغير الصورة إلي حد بعيد! ولا شك أن سبب غضب الشوان يرجع للتجاهل الشديد إلي حد الإهانة..فقال لجابر القرموطي في برنامج مانشيت, إن لسانه وجعه من طلب معاش محترم من عشرين سنة دون جدوي!, وأنه لم يتلق أي اتصال تليفوني من أي مسئول بالدولة بعد العملية الأخيرة, بمن في ذلك اللواء عبد السلام المحجوب وزير التنمية المحلية, وهو نفسه ضابط المخابرات المصري الذي أطلق عليه في المسلسل اسم الريس زكريا, قائلا إنه عندما أخبره بضرورة إجراء العملية اكتفي بإرسال سكرتير من مكتبه لزيارته في المستشفي وإعطائه ظرفا به500 جنيه علي سبيل المساعدة! ووصل الأمر بالشوان إلي درجة أنه تمني قيام الموساد بتصفيته ليريحه من آلامه.. بعد أن اضطر للاستدانة ورهن شقته من أجل العلاج.. ولم يجد للتعبير عن سوء حاله غير المثل الشهير: الجوع كافر.. لكنه استدرك ذلك مؤكدا أن خيانة الوطن أقذر وأشد كفرا من الجوع!