موعدي معك أيها القارئ أو المتفرج المتلقي للمسرح مع مسرحية تحمل عنوان آخر حكايات الدنيا... أعترف بأن العنوان يجتذب المتلقي لهذا المسرح الذي أستشعر أنه عاد إلي بريقه السابق وهو مسرح الطليعة الذي يديره حاليا هشام عطوه وهو مخرج من جيل الشباب الذي يجتهد قدر الطاقة لأن يقول أن المسرح مازال يزخر بالعديد والعديد من العناصر الجيدة التي يمكنها أن تؤكد مكانته أي مكانة المسرح ضمن الفنون التي يقبل عليها الجمهور. من قبل شاهدت له أعمالا في مسرح الشباب الذي كان يديره إلي جانب الإخراج والآن أراه هنا في مسرح الطليعة مديرا له وأيضا وهذا هو المهم جذبه للمسرحيين الكبار القدامي كي يعودوا مرة أخري إلي جماهيرهم وكان أن اتفق مع المخرج الكبير الذي تخرج علي يديه عدد من المسرحيين خلال تدريسه في أكثر من جامعة وهو المخرج القدير جلال توفيق وكان بالفعل أن قدم رائعة نجيب محفوظ النجاه التي انتهت من أسبوع. أيضا اتفق مع الفنان البارع سمير العصفوري ليعود إلي عشه القديم.. مسرح الطليعة الذي قضي به أعواما وأعواما مديرا ومخرجا لأشهر المسرحيات التي تخرج من خلالها العديد من الاسماء اللامعة حاليا في مجال الفن التمثيلي. أيضا اتفق مع المخرج الكبير حسين جمعة ليخرج للمسرح.. أي لمسرح الطليعة. هذه البداية رأيت أن أبدأ بها لأنها تختص بالمستقبل الذي أستبشر بأننا سنشاهد فيه أعمالا لكبار فناني مسرحنا المصري. والآن بعد هذه المقدمة أتناول العرض الذي يقدمه مسرح الطليعة حاليا في قاعة ذكي طليمات باسم آخر حكايات الدنيا التي أخرجها وكتبها أيضا محمد الدرة محمد الدرة شاب شأن معظم العاملين حاليا في المسرح وربما أراد من خلال هذه المسرحية أن يتناول أمرا بالغ الأهمية وهو تواصل الأجيال.. الكبار مع الشباب.. الجد مع الحفيد.. هذا التواصل الذي يعد من أهم ما يتقدم به ليس الفن وحده ولكن الحياة ذاتها عندما يعي الشاب التاريخ ليقف علي الحاضر مستشرفا المستقبل الذي يضيف من خلاله خبرة الآباء والأجداد. الفكرة بالطبع جيدة ولكن بشرط أن يقوم الجد بتعليم الحفيد كيف يحكي, فالجد هنا يقوم بدور الحكاء للحفيد.. حكايات من الزمن القديم قد تكون فيها العبر والموعظة لكن كان المفروض أن يعلمه أيضا- أي الجد يعلم ابنه أو حفيده- كيف يقوم هو أيضا بدور الحكاء.. كيف يمكن ولا يتوقف ولكن بمجرد وفاة الجد لا يستطيع أن يقدم أو يقول أي شيء. الفكرة كما قلت جيدة وكان من الممكن أن تصل إلينا بصورة أعمق مما شاهدته, فالمخرج هنا استغل لياقة الشباب أي شباب الممثلين معه استغلالا كبيرا في حركة بالغة السرعة وأيضا القوة مع إيقاع عام للعمل سريع أيضا للغاية وإذا كنا نطلب باستمرار أن يكون إيقاع المسرحية سريعا فإن هذه السرعة لها حدود ومحكومة بحيث لا تؤثر علي فلسفة العمل عندما يتشتت ذهن المتلقي فلا يستطيع متابعة مضمون العمل الفلسفي البديع. المعروف أن المسرحية كتبها وأخرجها محمد الدرة الذي كان أقدر علي أن يطوع الإخراج لإبراز النص الذي كتبه خاصة أنه يحتاج فقط إلي بعض من الهدوء, أي تخفيف الحركة اللا مبررة والعنيفة, فقد استعان بديكور ربما يكون جديدا إلي حد ما وهو جانب من المسرح يحمل مرايا عديدة ثم فضاء لا يشغله إلا مقعد الجد المتحرك وفي الجانب الآخر كشك صغير يخرج منه الحفيد مع لعبه المختلفة التي يلهو بها. فوق رؤوس المتفرجين تتدلي أنابيب المحاليل تعبيرا عن أننا في غرفة الإنعاش. لدينا أيضا موسيقي ومؤثرات حديثة جيدة مع إضاء متميزة. فماذا عن الممثلين؟ أمامنا ثلاثة ممثلين يتصدرهم الجد الذي قام بدوره أحمد الحلواني في أداء متميز وحركة استطاع أن يقدمها كما لو كان بالغ الرشاقة وهو ليس كذلك. معه الحفيد كريم الحسيني الذي كان أيضا متميزا في الأداء خاصة أنه يؤدي اكثر من فترة عمرية بين الطفولة والشباب وكان مشهده الأخير عندما مات الجد وهو غير قادر علي أن يقوم بدوره,أي دور الحكاء.. كان هذا المشهد من أجمل مشاهد العمل. معنا أيضا سماح سليم التي تنقلت هي الأخري بين البدوية والمرأة المصرية من الزمن القديم وأيضا المرأة الفرعونية أي الزمن السحيق وكان أهم ما يميزها ليونة في حركاتها بديعة مع أداء يقدم لها مستقبلا نجومية تستحقها. أجد المسرح وقد امتلأ بالجمهور وهذا من أهم ما سعدت به أن يجد الفنان الضلع المهم في العملية المسرحية وهو الجمهور المتلقي.