الثلاثاء31 يناير9002هذا هو اليوم الأخير لنا قبل أن نعود إلي مصر بعد خمسة أيام أمضيناها في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس المقبلة بالحياة والسهر والرياضة والشوارع والحدائق والمتاحف وتعد فعلا باريس الجنوب. لقد أمضينا نصف يوم في بلازا دي مايو الميدان الذي يمثل قلب بوينس أيرس حيث الكابليدو أول مجلس أقيم للمدينة, والقصر الوردي مقر رئيس الأرجنتين وهو في الوقت نفسه رئيس الوزراء علي غرار النموذج الأمريكي. ومثل كل السياح الذين امتلأ بهم الميدان رحنا نتطلع إلي الشرفة الرئيسية التي تتوسط القصر والتي كانت إيفيتا بيرون تخاطب الشعب وقد خيل إلينا أننا نسمع صوتها. وإلي هنا تدفقت مظاهرات الشعب للتعبير عن احتجاجاتها ضد سياسات الحكومات أيام الأزمات الاقتصادية, كما سالت هنا في هذا الميدان دموع آلاف الأمهات اللاتي فقدن أولادهن في فترة الإختفاء التي شهدتها الأرجنتين خلال الحكم العسكري الديكتاتوري بين1976 و2891 الذي تفنن في التخلص من معارضيه بخطفهم واخفائهم.. وقدر أن30 ألف شاب اختفوا من الوجود ولم يعودوا, ولعلهم ذهبوا وراء الشمس فعلا لا قولا. ورغم مرور35 سنة فمازالت أمهات المفقودين تجتمع هنا مرة كل أسبوع للتذكير بالمآساة التي عشناها! وفي أقدم مقهي بالأرجنتين كافيه لابيلا الذي أقيم عام1850 شربنا القهوة المحلية. وتذكرنا مقهي الفيشاوي مع فارق العراقة التي تبدو في أركان المقهي الذي زينت جدرانه بصور سباقات السيارات التي كانت تبدأ عام1950 من أمام المقهي بحضور المشهورين من الفنانين. وفي مطعم كابانا لاس ليلاس وهو مطعم أرجنتيني كان العشاء الأرجنتيني الذي يبدأ بأطباق المشهيات من الزيتون الأسود والطماطم والجبنة الموزاريللا والفلفل الأحمر والعيش بالتوم, ثم بعدذلك قطعة ستيك اللحم الأرجنتيني الشهير الذي قد لا يشبهه في حلاوته لحم آخر, والذي من أول لحظة تغرزفيها الشوكة تكتشف طراوته وفور أن تذوب في فمك تعرف أهمية المراعي التي تعيش عليها الأبقار في صناعة اللحم وأنها ليست عملية سهلة أن تصنع لحما شهيا! وأمضينا يوما في زيارة مقبرة إيفيتا بيرون في مدافن ريكوليتا ومنها إلي منطقة كامنينو التي تطل علي النهر وتمتليء بالحياة طوال اليوم. وهي منطقة للسير علي الأقدام لا تدخلها السيارات ومبانيها متعددة الألوان وهناك مبان معدنية وعشرات المحال التي تشبه محال خان الخليلي وموسيقي رقصة التانجو في الشارع وفي داخل المقاهي والمطاعم العديدة التي تمتليء بالحياة. ويتوسط المنطقة ميدان له واجهة مثل واجهات بيوت بلاتوهات السينما به شرفة عريضة بها نماذج أشهر ثلاث شخصيات في الأرجنتين: أيفيتا بيرون, وكارلوس كاردل أشهر راقصي التانجو, ودييجو مارادونا لاعب الكرة الشهير) مواليد30 أكتوبر0691) الذي تعتبره الأرجنتين أحسن لاعب كرة في التاريخ. وفي طريق عودتنا من منطقة كامنينو مررنا في منطقة باليرمو بأكبر مساجد الأرجنتين وكل مساجد أمريكا الجنوبية وهو عبارة عن مركز ثقافي أقامه الملك فهد عام1996 علي مساحة20 ألف متر بتكلفة30 مليون دولار ويضم مسجدا ومكتبة ومدرستين للعربية. وأغلب المسلمين في الأرجنتين من سوريا ولبنان وفلسطين, إلي جانب عدد قليل من المصريين من بينهم سامي مراد ابن ابراهيم مراد شقيق المطرية الشهيرة ليلي مراد وقد التقيته في فندق شيراتون الذي أقمنا به واكتشفت انه يشغل منصب مدير شيراتون في منطقة الأرجنتين وأورجواي ورغم انه غادر مصر في عام1964 في سن العاشرة إلا أنه يتحدث العربية بطلاقة. وأمضينا سهرة في أحد المسارح الشهيرة التي تقدم العشاء وبعده عرض استمر نحو ساعتين لرقصات التانجو المتعددة وهي الرقصات التي ابتدع الأرجنتينيون موسيقاها منذ نهاية القرن التاسع عشر. ورغم ان هناك موسيقي كثيرة للتانجو إلا أن الأمر مختلف بالنسبة لتانجو الأرجنتين الذي يشبه الفرق بين العزف الشرقي والغربي. يشرح لنا أحد الخبراء ان التانجو عبارة عن ممارسة المشي مع شريك تتوقف براعة الراقص خلاله علي نقل أحاسيس الموسيقي ببراعة إلي شريكه. ولذلك فرغم أن هناك أساسات لرقصة التانجو متوارثة عبر السنين إلا أن حيويتها مازالت تعتمد علي الإرتجال. وكان ضروريا أن تأتي النهاية لرحلة طويلة طفنا فيها من أمريكا إلي المكسيك إلي كوستاريكا والإكوادور وبيرو وشيلي وآخر العالم وأورجواي وأخيرا الأرجنتين. فلكل شيء كما ختم أديبنا الكبير احدي روائعه نهاية.. ونهاية بالإنجليزية يعنيEnd أما بالاسبانية فيقولنElfin.