أكتب هذا الحديث كمواطن مصري بعيدا عن التجاذبات والاتهامات المتبادلة بشأن ما جري في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة فالمسألة أكبر وأعمق وأشمل من الحديث عن تجاوزات وانتهاكات يراها البعض محدودة من النوع الوارد حدوثه في أيه انتخابات في حين يراها الآخرون أنها تزوير لإرادة الناخبين. والحقيقة أن هذا النقد اللاذع من جانب بعض أحزاب وفصائل المعارضة للعملية الانتخابية والتي لجأ بعضها لأسلوب الهروب إلي الأمام بإعلان الانسحاب من جولة الإعادة قد لا يثير القلق ولكنه ينبغي أن يثير الاهتمام نحو كيفية تفعيل النظام الحزبي في مصر والانطلاق لصياغة آليات المراجعة والتصويب لواقع الحياة الحزبية الذي لا أظن أنه يرضي أحدا. إن مصلحة مصر تتطلب وقفة صادقة وصريحة تحدد ملامح العلة في المسيرة الحزبية كمقدمة ضرورية لمواصلة السعي الصادق باتجاه توفير الأجواء اللازمة لضمان التطور الديمقراطي وخلع عباءات التشاءوم التي ترتديها معظم أحزاب المعارضة بشأن عدم توافر الفرصة التي تمكنها من الوصول بالقدر الكافي إلي مقاعد البرلمان وبما يفتح أمامها أبواب الأمل في إمكانية الوصول إلي الحكم وتداول السلطة في منظور قريب. إن الأحزاب السياسية ليست صحفا تصدر أو قنوات تبث في الفضاء وإنما هي مؤسسات سياسية تتحدد قيمتها وأهميتها بمدي قدرتها علي تحديث نفسها من الداخل وبمدي قدرتها علي استيعاب القوي الاجتماعية ومواكبة المتغيرات السياسية كمدخل وحيد لبناء الحلم المشروع في إمكانية الوصول إلي الحكم أو علي الأقل بناء قدرة التأثير داخل البرلمان من خلال الأداء الأمين لدورها في الرقابة علي الحكومة وطرح البدائل الواقعية لمجمل السياسيات العامة. وليس في الثقافة الديمقراطية مشاعر اليأس والإحباط واللجوء للمقاطعة والانسحاب وإنما هي ثقافة بناء الأمل في إمكانية إحداث التغيير بمزيد من الجهد والدأب من خلال نظام انتخابي يضمن إتاحة الفرصة أمام كافة التيارات السياسية الفاعلة في المجتمع للمشاركة في العملية الديمقراطية تحت مظلة مناخ انتخابي حر وشفاف يفرز في النهاية نتائج صادقة في صناديق الانتخابات تعبر تعبيرا صادقا عن إرادة المواطنين دون أي ضغوط أو معوقات. وعلي الجميع دون استثناء أن يجري وقفه مع النفس والذات لتقويم ما جري لجرد الايجابيات والسلبيات حتي يمكن استيعاب الدروس المستفادة وبدء تهيئة المناخ الملائم لإعادة البناء علي أسس سليمة توفر القدرة علي جذب واستيعاب القوي الاجتماعية التي تتوافق مع برامجها وأهدافها لأن ذلك هو السبيل الوحيد للارتفاع بنسب المشاركة الشعبية في العملية الانتخابية والتي مازالت دون المستوي الذي نطمح إليه جميعا لصنع ديمقراطية متكاملة تنتفي عنها تماما شبهات التزوير والتسويد في غيبة المشاركين أصحاب الحق في التصويت. وإذا كانت أحزاب المعارضة تتحدث عن عدم عدالة القدرة التنافسية بين الحزب الوطني وأحزاب المعارضة في ظل نظام الانتخاب الفردي أو بسبب ما تراه من تداخل بين الحزب الحاكم وحكومة الحزب فإن تغيير هذه المعادلة أو تصويبها لا يتحقق بالانسحاب وإنما يتطلب إصرارا علي المشاركة واستمرار المناكفة للوصول إلي نظام انتخابي جديد سواء بالقائمة النسبية أو القائمة المفتوحة بشرط أن يكون محصنا من أي عوار دستوري بحيث لا يسمح بإمكانية الطعن عليه! وغدا نواصل الحديث.
خير الكلام: ** وما بكثير ألف خل وصاحب.... ولكن عدوا واحدا لكثير! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله