أثارت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة, جدلا واسعا في الشارع المصري, بدأ باتهامات بالتزوير, وتسويد بطاقات التصويت, لصالح مرشحي الحزب الحاكم, وتعمد اسقاط المعارضين وتصاعد نحو انسحاب قوي سياسية شرعية, وغير شرعية, من جولة الإعادة, الأمر الذي دفع ببعض المحللين, لوصف البرلمان القادم بأنه خال من المعارضة.وصل الأمر إلي ذروته بالطعن في شرعية النظام السياسي بكامله, صورة قاتمة, ومشهد مربك, لنا عليه ملاحظتان: الملاحظة الأولي: تتعلق بوصف البرلمان القادم بأنه خال من المعارضة, وبعيدا عن أن حزب التجمع أحد أحزاب المعارضة الكبري خاض انتخابات الإعادة بستة مرشحين, إضافة إلي فوزه بمقعد عن دائرة مزغونة بمحافظة أكتوبر, فإن حزب الوفد, وعلي الرغم من إعلان رئيسه الانسحاب من جولة الإعادة, إلا أن عددا من مرشحيه خاضوا الجولة الثانية. فإذا أضفنا إلي تلك التوقعات, توقعات أخري بفوز عدد كبير من المستقلين في معركة الإعادة, فإننا نصبح أمام جبهة من المعارضة واسعة. فإذا قارنا بين الفائزين من أحزاب المعارضة والمستقلين في برلمان2010 وفي برلمان2005, الذي جري انتخابه في ظل إشراف قضائي شامل, شهد الجميع بنزاهته, وتمثل فيه حزب المعارضة الكبري( الوفد والتجمع) بسبعة مقاعد, بواقع واحد للتجمع, وستة للوفد( بعد انضمام عدد من المستقلين إليه), اضافة إلي21 مقعدا للمستقلين, نجدنا أمام أرقام مضاعفة للمعارضة والمستقلين, علي حد سواء, في برلمان2010 فمن أين جاءوا إذن بمقولة برلمان خال من المعارضة, إلا إذا كانوا يربطون بين المعارضة, ووجود كوادر لتنظيم غير شرعي تحت قبة البرلمان, أرادوا الحصول علي الحصانة من أجل خطف البلاد, ودفعها إلي المجهول. الملاحظة الثانية: وتتعلق بالحديث عن تزوير الانتخابات والتسويد الواسع لبطاقات الترشيح في معظم اللجان, وتعمد اسقاط المعارضين, والحقيقة أن أحدا لايستطيع أن ينكر وجود عمليات تسويد لعدد من اللجان, والدليل أن اللجنة العامة قررت استبعاد3501 صندوقا من44 ألف صندوق أي بواقع(4.2% تقريبا) من إجمالي صناديق الاقتراع, ولكن السؤال, هل كان التسويد حكوميا منظما أم كان بعضه أهليا( يكاد يصل إلي مابين400:300 صندوق), والبعض الآخر شكك فيه رؤساء اللجان لأن بطاقات التصويت التي كانت بداخله, زادت علي متوسط بطاقات التصويت في الصناديق الأخري, والعملية برمتها قام بها بعض المرشحين في المواقع التي يسيطرون عليها بحكم العصبية القبلية, وقد شاهدنا ذلك في صعيد مصر في أكثر من انتخابات بحكم أننا من أبنائه. أي لم تكن هناك نية حكومية أو تخطيط مسبق, لتزوير هذه الانتخابات أو تسويد بطاقات التصويت لصالح أحد لماذا؟! لأن النتائج كانت محسومة سلفا, لكل من يقرأ معطيات تلك الانتخابات قبل اجرائها بشهر علي الأقل. أول تلك المعطيات: يتعلق بتنظيم الإخوان غير الشرعي, فقد كان الإخوان يعلمون جيدا أنه لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الانتخابات بسبب الأداء السييء لنوابهم في الدورة الماضية, وغيابهم الكامل عن دوائرهم, الأمر الذي دفع عددا من المراقبين المصريين إلي وصفهم في استطلاع رأي أجرته هيئة الإذاعة السويسرية, ونشرته بموقعها علي شبكة الإنترنت, قبيل بدء الانتخابات بأقل من أسبوعين, أنهم كانوا: بلا أجندة واضحة, وليست لديهم قدرة علي المناورة السياسية, فضلا عن كونهم يفكرون بعقلية الفصيل, ويقدمون مصلحة الجماعة علي المصلحة العامة, ويفتقدون للخبرة السياسية الكافية, إضافة إلي ضعف الوعي السياسي والمعرفي, ولايمكن بالطبع أن نغفل هنا خطة الحزب الوطني الذكية في التعامل مع مرشحي التنظيم الإخواني غير المشروع عبر الترشيحات المزدوجة, التي هدفت إلي تفتيت الكتلة التصويتية لمرشح الإخوان مقابل منح فرصة كبيرة للفوز أمام المرشح الرئيسي للحزب, إضافة إلي ترشيح أسماء من ذوي الشعبية الكبيرة أمام رموز التنظيم الإخواني, وهو ما أظهر نجاحا كبيرا في الجولة الأولي, حيث استطاع الحزب انتزاع601 مقاعد أمام مرشحي التنظيم الإخواني غير المشروع في الجولة الأولي فقط, ولم ينجح في الوصول إلي جولة الإعادة سوي62 مرشحا يتعلق بالرموز الكبري للمعارضة في برلمان5002, وفي هذا الإطار كان الحزب الوطني واضحا منذ الوهلة الأولي, عندما أكد علي لسان قادته, أنهم سيقاتلون علي كل مقعد, وأنهم لا يدخلون إلي نزهة, ولايسعون لعقد صفقات. لذا كان من أهداف الحزب في هذه المعركة انتزاع عدد من مقاعد, نجوم البرلمان وهذا حقه خاصة إذا كانت وسيلته في ذلك, المنافسة الشريفة, عبر الدفع بأفضل عناصره لخوض المعركة أمام هؤلاء النجوم, الأمر الذي أوصل بعضهم إلي الاعتراف بالهزيمة قبل بدء المعركة الانتخابية. أما ما تردد عن تعمد إسقاط رموز لأحزاب المعارضة, خاصة حزب الوفد, وتم الحديث بالتحديد عن حالة الأستاذ منير فخري عبد النور, ومع كل التقدير لهذا الاسم الكبير الذي يشرف أي برلمان يوجد فيه, فإن كل هذا التقدير لا علاقة له بالواقع علي الأرض. فالأستاذ منير للأسف ظل مترددا في حسم الدائرة التي سيخوض بها الانتخابات, حتي قبيل يومين من غلق باب الترشيح, في الوقت الذي اختار فيه جميع المرشحين حتي قبل إعلان الأسماء الدائرة التي سيترشحون فيها وباشروا عمليات التربيط, مع جميع مفاصل الدائرة, من عائلات ومراكز نفوذ قبلي إلي آخره, ليس هذا وفقط بل إن الأستاذ عبد النور وباعتراف أهل الدائرة لم تطأ قدمه جرجا منذ سنوات عديدة, فلماذا كل هذا الهجوم إذا كنا لم نستوف بالأساس القواعد الأساسية لإدارة المعركة الانتخابية علي أكمل وجه.