هل حان وقت التغيير في المنتخب الوطني لكرة القدم؟. كان هذا هو السؤال الذي طرح كثيرا عقب خسارة الفريق المصري بعد هزيمته أمام منتخب النيجر في التصفيات الأفريقية المؤهلة لبطولة كأس الأمم الإفريقية في غينيا الاستوائية والجابون عام2012, ولما كنت عضوا في مجلس أمناء عدد من المؤسسات العامة, بالإضافة إلي ما أقوم به في مؤسسة الأهرام ذاتها, فإن قضية التغيير كانت دوما أكثر تعقيدا من الحالة في كرة القدم حيث يكون النصر معيارا للنجاح, والهزيمة مقياسا للفشل. أما في الحالات الأخري فما يبرز دائما هو أن استمرار المؤسسة في العمل يعد في حد ذاته سببا لبقائها لأنها علي الأرجح سوف تضم أعدادا كبيرة من العاملين الذين لا يعرف أحد ماذا سوف يفعل بهم إذا ما كان التغيير يتطلب عددا أصغر. وهكذا تنقلب الحال تماما, فبدلا من أن يكون هناك عاملون في مؤسسة, تصبح أهمية المؤسسة نابعة من كونها تعمل لدي من يعملون فيها بشكل أو آخر. في كرة القدم تظهر دائما مشكلة الأجيال القديمة, فهي من ناحية ظلت لفترة طويلة ملء السمع والبصر, وعلي أكتافها جرت الانتصارات الكبري ورفع راية الوطن, ورغم أن الزمن يلعب دائما لعبته من حيث تراجع اللياقة البدنية والذهنية, إلا أنه لا يوجد أبدا ما يضمن أن تكون الأجيال الجديدة أسعد حالا, ولا أكثر قدرة علي التفاهم أو التعامل مع المواقف الصعبة التي تتطلب الحكمة وهدوء الأعصاب, أو ما اعتاد المعلقون الرياضيون علي وصفه بالخبرة. المسألة ذاتها تحدث في المؤسسات العامة, والفارق مع فريق لكرة القدم أن أصحاب الخبرة لم يحققوا لا نفس الصيت ولا ذات الغني الذي حققه اللاعبون والمدربون; ولذا, وعلي الأغلب, فإنهم كثيرا ما يعتمدون علي التاريخ فيما أحرزوه من إنجازات, فإذا كان مهندسا فإنه يتحدث عن العمائر التي أقامها, وإذا كان محاسبا فسوف يشير إلي ما قام بتوفيره علي المؤسسة من نفقات, وإذا كان صحفيا فإنه سوف يشير إلي الخبطات الصحفية التي حققها ذات يوم من الأيام حيث كان التوفيق ممكنا والحظ متاحا. أي من هؤلاء لن يقول لك أبدا ما آلت إليه حال المؤسسة خلال هذه الفترة' الذهبية' حيث لا يوجد ذلك التراث المعلوم من الكئوس والجوائز التي حصل عليها الفريق الكروي; والأرجح أن الإشارة العابرة من المتفائلين سوف تشير إلي أنه لم يكن في الإبداع ما يمكن غير ما كان, أما المتشائمون فسوف يلحون علي أن الأحوال المعاكسة كانت دائما أكبر من القدرات, وأن الأجساد الميتة لن يأتي وقت بعثها إلا يوم القيامة. وما يجمع المتفائل, والمتشائم, هو أن بقاء الأحوال علي حالها ربما يكون أفضل الخيارات وإلا فسوف يحدث' الاحتقان' وتجري الأزمات, وينهار المعبد علي رؤوس أصحابه. ولحسن حظ الفرق الكروية, أو الرياضية في العموم, أنها تتعرض لاختبارات مستمرة يصعب معها إخفاء الحقيقة طويلا; وما جري مع النادي الأهلي في مباراة الترجي في تونس كانت ملامحه قائمة في لقاء القاهرة, وقبلها في المباريات مع الشبيبة الجزائري, وقبل قبلها في مباريات الدوري العام والسباقات المحلية. وما حدث للفريق القومي لكرة القدم كانت مقدماته موجودة في لقاء سيراليون في القاهرة, ومن قبلها في تصفيات الوصول إلي نهائيات كأس العالم, وكلها أشارت إلي أن القمة التي وصل إليها الفريق بعد الحصول علي الكأس الإفريقية الثالثة لم يعد ممكنا الحفاظ عليها بنفس المجموعة من اللاعبين حتي طاقم التدريب ذاته. وربما كانت الحقيقتان مترابطتين إلي حد كبير, ولكن المسألة أن مقاومة التغيير, ومحاولات الالتفاف حوله بالحجج والأعذار, سوف تبقي تحت اختبار مستمر من مباريات ومسابقات. ومن الجائز تحقيق إنجاز هنا أو هناك يغطي علي هذا الواقع, ولكن النتيجة المؤكدة أنه لا يمكن إخفاء الحقائق طويلا. ولكن إخفاء الحقائق ممكن ولفترات طويلة علي المستوي العام وفي المؤسسات العامة; ورغم أنه لا يمر يوم واحد دون إضافة من نوع أو آخر للبنية الأساسية للبلاد طرقا ومطارات وعقارات واختراقات لصحراء وبحار, إلا أن نفس الزمن يجعلنا نشاهد لسنوات طويلة عمائر وفنادق في أفخر مناطق العاصمة يمر عليها مسئولون علي كل المستويات العليا والدنيا ولكنها في كل الأحوال تبقي علي حالها. وفي داخل المؤسسات العامة تختفي حقيقة عدم القدرة علي مواكبة التطورات التكنولوجية الجديدة, بل تحدي جدواها, وإذا لم يفلح شيء فإن في التأجيل دائما متعة خاصة وإلا فماذا نفعل فيما هو قائم, وهل يجري إطلاق النار علي الناس كما يحدث مع خيل الحكومة؟ وللحق فإن تفسيرات إخفاق الفريق القومي أمام النيجر كانت كثيرة ومتعددة, وتراوحت ما بين حالة الطقس الحارة والرطبة, إلي السحر والشعوذة التي أعطت لفصيلة الماعز قدرات خاصة, إلي عدم تجاوب اللاعبين مع خطط المدربين, أو العكس الذي جعل خطط هؤلاء غير صالحة للاعبين في الأصل, إلي غياب لاعبين لم يكن هناك ما يؤكد أنهم سوف يشكلون فارقا كبيرا في النتيجة, أو أنها في عرف بعض المحللين وقد كثر عددهم هذه الأيام واحدة من المقالب السخيفة التي يتعرض لها الفريق من وقت لآخر وبعدها تعود الأيام الطيبة إلي سيرتها الأولي. ولكن أيا كانت التفسيرات حول سبب إخفاق الفريق الوطني أو حتي في النادي الأهلي فإن الاختبارات سوف تأتي متتالية وقاسية, ولما كان الرأي العام مستيقظا طوال الوقت فسوف يحين في وقت ما ليس منه بد: التغيير. ولكن في المؤسسات العامة لا توجد مثل هذه الاختبارات, أو إنها إذا وجدت غالبا ما يجري الالتفاف حولها بطريقة أو بأخري كما أسلفنا. ومن النكت التي تحكي عن زمن الاتحاد السوفيتي أن المكتب السياسي للحزب الشيوعي طالب العاملين في مصنع إنتاج العربة الروسية زيل إثبات أنها أكثر تفوقا علي العربة الأمريكية كاديلاك. فما كان من العاملين في المصنع إلا أن أجروا سباقا بين السيارتين, وأذاعوا النتيجة أن السيارة السوفيتية زيل قد حصلت علي المركز الثاني; بينما حصلت السيارة الأمريكية علي المركز قبل الأخير!. الأمر كما قلنا كان نكتة ولكنها عاكسة لما يقول به بعض العاملين في المؤسسات العامة أنهم نجحوا في تخفيض الخسائر, ومن ثم فإن لهم حقا مقدسا في الحصول علي الأرباح!. والمسألة هي أن التغيير هو الحقيقة الوحيدة المطلقة في الكون المعلوم; ولكن المسألة هي عما إذا كان التغيير راجعا إلي الخلف, أو منطلقا إلي الأمام. وعندما أتيح لي العمل في مؤسسات دولية كان واحد من الأسئلة المطروحة عن معيار قياس النجاح, والوسائل التي سيتم بها التغيير حال مرور الزمن أو تغيرت الظروف. ووقت أن كنت مديرا لمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام كان من يقدمون لنا منا يسألون عن شكل وحجم التغيير الجاري في المركز بالإضافة إلي معايير أخري تتعلق بنسبة النساء إلي العدد الكلي للعاملين للتأكد من أن المركز لا يقوم بالتمييز ضد المرأة. والمشكلة الأساسية التي تواجهنا, ليست في كرة القدم فقط وإنما في مجالات أخري في السياسة والاقتصاد والثقافة, هي عدم اعتياد التغيير وتصور أنه انقلاب علي مقتضي الحال وخروج علي السنن والثوابت التاريخية والجغرافية. ولا يوجد لدي شكفي أن معضلة الفريق القومي لكرة القدم سوف يكون لها أكثر من حل لأن ذلك جزء من طبيعة الأشياء, ولكن ذات المعضلة في مجالات أخري تحتاج إلي خلق ثقافة خاصة للتغيير تستوعب سباقات من نوعيات مختلفة. ومن حسن الطالع أن واحدا من صفات عالمنا المعاصر أن هناك دوما مقاييس وجداول ترتب المجتمعات والجامعات وحالة النساء والأحياء والأموات والاستهلاك والإنتاج حتي حالة السيولة في المرور, ومؤشرات للتغيير والتقدم. وسواء كانت المؤسسة تقوم علي إنتاج الأسمنت أو إنتاج أدوات التجميل أو حتي اللافتات الضوئية للإعلان في الملاعب فإن هناك دائما كتابا يوضح ترتيب الشركات والمنتجين يكون هو المرجع لمن يشتري أو يبيع. القضية هكذا أنه لا مفر من تغيير أمور كثيرة, وربما كنا هذه المرة نركز علي التغيير في وحدات اقتصادية أو اجتماعية أو رياضية محدودة العدد; ولكن المنطق ذاته ينطبق علي وحدات إدارية أو سياسية أوسع. وحتي لا تكون الصورة قاتمة فإن المسابقات سوف تنقذ الفريق القومي ولا شك, ولكن اقتصاد السوق لا يترك وحدة اجتماعية علي حالها, ورغم محاولات كثيرة لخنقه, فإنه يتمدد كل يوم ويكسب مساحات جديدة بفعل التطور التكنولوجي, ويفرض المباراة والمسابقة علي كل العاملين في المؤسسات العامة والخاصة. وربما كان كارل ماركس مخطئا في أمور كثيرة, إلا أنه كان مصيبا تماما في الكيفية التي تشكل بها قوي الإنتاج المجتمعات والأحوال العامة. وذات يوم قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في محاضرة له أمام جمعية المستقبل في القاهرة إن إشكالية التغيير هي أنه حال اقتراحه يتم رفضه دائما علي أساس أنه لا يصلح للعمل وأن الأمور المستقرة علي ما يرام; فإذا ما بدأ التغيير فإن القول الذائع هو أنه لن يصلح الأمور بل سوف يزيدها سوءا, فإذا ما حدث ونجح وغير الواقع, فإنه يصبح جزءا مما نعيش فيه, ولا يتذكر أحد أنه كانت هناك حاجة إليه!!.