عاد الكرملين الي محاولات ترتيب البيت السوفييتي من الداخل. فبعد نجاحه في الاطاحة بنجوم الثورة البرتقالية في اوكرانيا وخلع باقييف رئيس قيرغيزستان تحول الرئيس دميتري ميدفيديف غربا لتصفية حسابات قديمة مع رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكو ومغازلة معارضيه في توقيت بالغ الاهمية. قال ميدفيديف ان لوكاشينكو دأب خلال الفترة الاخيرة علي الاساءة الي علاقات شعبي البلدين رغم كل ما قدمته روسيا من اجل تطوير هذه العلاقات ولاسيما في المجالات الاقتصادية مشيرا الي ان ما قدمته من تسهيلات وامتيازات بلغ ما يقرب من الاربعة مليارات دولار خلال العام الاخير وحده. وكشف الرئيس الروسي ضمنا عن ان رئيس بيلاروسيا حاول خلال اول لقاء جمعه معه وبدلا من مناقشة قضايا العلاقات الثنائية تشويه صورة الرئيسين الروسيين السابقين بوريس يلتسين وفلاديمير بوتين ما دفع ميدفيديف الي الاعتراض وطلب تركيز الحديث علي علاقات البلدين. ووصف الرئيس الروسي تصرفات لوكاشينكو بأنها تفتقد الي ابسط بديهيات اللياقة الدبلوماسية فيما سارعت ناتاليا تيماكوفا المتحدثة الرسمية باسم الكرملين لتعلن ان العلاقات الشخصية بين ميدفيديف ورئيس بيلاروسيا لن تعود الي سابق عهدها ما يعني عمليا ان موسكو نفضت يديها من لوكاشينكو وتوجهت نحو البحث عن بديل مثل ما سبق وفعلت مع الرئيس الاوكراني السابق فيكتور يوشينكو والرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي. وكان ميدفيديف اشار ايضا الي ان لوكاشينكو طالما حاول العثور علي نموذج الخصم والعدو الذي كان يجده في امريكا واوروبا والغرب بشكل عام ليعود ويعلن ان روسيا صارت خصمه الرئيسي متجاهلا ما يربطها مع بيلاروسيا من علاقات اقتصادية. ولعل هذا التحول الروسي يعني اهمية خاصة قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في بيلاروسيا في19 ديسمبر المقبل من منظور ما يقال حول احتمالات تاييد الكرملين لمرشحي المعارضة هناك. وكانت موسكو اطلقت خلال الاسابيع الاخيرة حملتها المضادة للوكاشينكو من خلال عدد من التقارير والافلام التليفزيونية فتحت من خلالها ملفات العلاقة مع بيلاروسيا والدور الذي وصفته بالسلبي للرئيس لوكاشينكو مهددة بوقف ما تمنحه من امتيازات لبيلاروسيا ومنها تخفيضات اسعار الغاز. ولذا كان من الطبيعي ان يستهل لوكاشينكو حملاته الانتخابية بلقاء مع الصحفيين الروس حمل خلاله علي الرئيسين الحالي والسابق ميدفيديف وبوتين اللذين اتهمهما بشن الحملات المضادة له ولبلاده فيما اعرب عن تأييده لعمدة موسكوالمخلوع يوري لوجكوف في محاولة متعمدة لاغضاب القيادة السياسية الروسية. في الوقت الذي كشف لوكاشينكو فيه عن القبض علي احد عملاء موسكو وفي حوزته200 ألف دولار قال انها كانت مخصصة لتمويل منافسيه في الانتخابات الرئاسية المقبلة بايعاز من' حفنة من السياسيين الروس' حسب وصف لوكاشينكو لبوتين وميدفيديف اللذين اشار لاحقا اليهما بالاسم. وكان لوكاشينكو اتهم موسكو بانها تتهمه كثيرا بمحاولة حل مشاكل بلاده علي حساب الاقتصاد الروسي في اشارة الي ما تمنحه من خصم علي اسعار الغاز متناسية انها لا تدفع شيئا مقابل وجود قاعدتيها العسكريتين في اراضي بلاده علي حد قوله. قال ايضا ان بيلاروسيا تحملت وحدها اعباء تحديث شبكة الدفاع الجوي المشتركة التي تغطي المساحة من بحر البلطيق وحتي البحر الاسود دون ان تكلف موسكو اية اعباء مالية في الوقت الذي بذلت فيه روسيا الكثير من اجل اقناع اوكرانيا بمد فترة استئجار قاعدة سيفاستوبول لاسطول البحر الاسود مقابل40 مليار دولار. اما عن اسعار الغاز قال لوكاشينكوان هناك النرويج وقطر اللتين تبيعاه باسعار167 دولارا فيما تحاول روسيا فرضه علي بلاده بسعر220 دولارا فضلا عما تمارسه من ضغوط وحصار علي منتجات الالبان التي تصدرها بيلاروسيا الي روسيا رغم ما يربط البلدين من اتفاقيات. وبغض النظر عن صحة ومنطقية' ادعاءات' كل من الطرفين فاننا نكون اليوم امام واقع جديد يقول بان روسيا تبدو وقد سئمت استمرار العلاقة مع لوكاشينكو وانها تجد في البحث عن مرشح آخر من ممثلي المعارضة ممن يخوضون الانتخابات الرئاسية المرتقبة. وثمة من يقول انها سوف تحاول التأثير علي مجري وسير هذه الانتخابات مع تزايد احتمالات اعلانها عدم الاعتراف بنتيجتها في حال فوز لوكاشينكو الذي يتنبأ بالحصول علي اصوات75% من اصوات الناخبين. وبهذا الصدد يتذكر الكثيرون الرسالة المفتوحة التي سبق وارسلها ميدفيديف الي الرئيس الاوكراني السابق فيكتور يوشينكو قبيل الانتخابات الرئاسية الاوكرانية والتي اسفرت لاحقا عن هزيمة مهينة ليوشينكو زعيم الثورة البرتقالية وخروجه من حلبة السباق. فهل تكون الليلة اشبه بالبارحة!!