لم أفاجأ عندما رأيت المكتبات في لندن تعرض كتاب توني بلير رحلة بنصف الثمن وبعض المكتبات تعطيك نسخة مجانا مقابل كل نسخة تشتريها, ومع ذلك لم تفلح أساليب التسويق ولا حملات الاعلانات وظلت نسخ الكتاب مكدسة في المكتبات. وكالعادة نظم الناشر حفلات يوقع فيها بلير بنفسه علي النسخ المباعة للترويج للكتاب ولكن فشل الحفل الأول حيث إن تجمع أعداد كبيرة من المعارضين لسياسة الحرب أمام مقر الحفل وإلقاءهم الطماطم علي بلير وهتافهم ضده اضطر الناشر الي الغاء بقية الحفلات التي كانت في لندن وخارجها, ولم يجد بلير من يستقبله إلا في أمريكا حيث لقي هناك الجزاء علي الخدمات التي قدمها لأمريكا واسرائيل بغزو العراق ودوره كمحام عن بوش وسياساته الطائشة. بلير المسئول مع بوش عن جرائم الحرب في العراق استخدم في مذكراته كل اساليب الخداع والتلاعب بالحقائق, واستمر في تقديم الأكاذيب التي خدع بها الشعب البريطاني والبرلمان عن قدرات العراق علي انتاج أسلحة الدمار الشامل وتهديد العراق لاسرائيل وقدرته علي استخدام هذه الأسلحة خلال45 دقيقة, وتحريف المعلومات الاستخباراتية التي كانت تؤكد أن العراق توقف عن تطوير أسلحته, وأن فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة قامت بالتفتيش في كل مكان, بما في ذلك الحدائق والمزارع وقصور الرئاسة ولم تجد أثرا لهذه الأسلحة, ولكن بلير حتي بعد ظهور كل الحقائق مازال مستمرا في أكاذيبه ويدعي في مذكراته ان صدام قام بتدمير مالديه من أسلحة الدمار الشامل في سنة1991 ولكنه استمر في انتاج صواريخ سكود بعيدة المدي التي يمكنها حمل أسلحة كيميائية أو جرثومية, وكانت لديه النية لاستئناف برنامج انتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية بعد رفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن واتنتهاء فرق التفتيش الدولية من عملها, أي أن بلير يبرر قراره بالمشاركة مع بوش في تدمير العراق بوجود نية لدي صدام واحتمال عودته لانتاج هذه الأسلحة, ويدعي بلير ان المخابرات العراقية كانت تجري تجارب لانتاج مواد سامة في معامل سرية لم يكتشفها المراقبون, ويكذب نفسه بالاعتراف بأن قوات الغزو لم تعثر علي أي دليل علي صدق هذه المبررات, وباسلوله الملتوي غير المنطقي يستنتج أن صدام كان يمثل تهديدا لاسرائيل وكان سينشر الارهاب في المنطقة وتجاهل ما أعلنته الإدارة الأمريكية مؤخرا من أن صدام لم تكن له علاقة بأية جماعة من الجماعات الارهابية كما كان بوش وبلير يؤكدان عليه, ولا يجد بلير أثرا للخجل وهو يتساءل: هل العراق الان أفضل مما كان عليه؟ ويتجاهل الدمار والفقر والدماء والصراعات وبقية الكوارث التي سببها الغزو للعراق وشعبه, ويكذب مرة أخري بالقول إن60% من العراقيين كانوا يعتمدون علي المعونات الغذائية في عام3..2 بعد أن كان اقتصاد العراق أقوي من البرتغال وماليزيا, ويتجاهل أن هذه الحالة كانت نتيجة للحصار الاقتصادي والعقوبات وفرض الجوع علي الشعب العراقي بنظام النفط مقابل الغذاء والدواء, ويقول إن ملايين العراقيين اضطروا للهجرة وان الوفيات بين الأطفال كانت أسوأ من الكونغو(130 لكل1000 طفل( ولا يعترف بأن كل ذلك وما هو أسوأ منه كان بعد الحصار والعقوبات. وهو يكذب التقارير التي تذكر أن عدد القتلي العراقيين بعد الغزو وحتي عام2009 يزيد علي600 الف عراقي ويدعي أن قوات الغزو قتلت112 الف عراقي فقط وأن70 الف عراقي قتلتهم القاعدة والجماعات المدعومة من ايران, ويستمر علي اصراره علي الكذب فيقول لو أننا كنا نعلم عن العراق ما علمناه بعد ذلك فإن قرار الحرب لم يكن سيتغير لأن وجود صدام كان يمثل مخاطرة كبري لأمننا ويري أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبه هو وبوش انهما لم يتنبها إلي خطورة ايران وتنظيم القاعدة بعد القضاء علي صدام. ويقول بلير ان كثيرين يريدون منه الاعتراف بأن قراره بالاشتراك في غزو العراق كان خطأ, وبعض أنصاره يرون أن قراره كان وليد العناد أو التضليل والخداع, ويتساءلون: هل يشعر بالندم؟ وهل يعتذر؟ ويرد علي ذلك بأنه لا يشعر بالندم ولن يعتذر ولا يذكر شيئا عن مسئوليته عن جرائم التعذيب والاغتصاب والقتل الجماعي. في هذه المذكرات يحاول بلير ان يكذب ويتجمل, وقد نجح في أن يكذب, وفشل في أن يتجمل, وهذه المظاهرات والاحتجاجات والهتافات التي تلعنه في كل مكان يذهب اليه داخل بريطانيا دليل علي ان ما جاء في كتابه الذي استغرق690 صفحة لم يقنع أحدا. المزيد من مقالات رجب البنا