المشاركة السياسية تعني في أبسط تعريفاتها إسهام المواطن في ممارسة حقوقه المدنية والسياسية, ابتداء من الانضمام للأحزاب والاتحادات المهنية والنقابية إلي الترشيح للمناصب العامة وتولي تلك المناصب|. إلي التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية, إلي المشاركة في الحملات الانتخابية والمؤتمرات والندوات المعنية بتسيير شئون المجتمع.. إلخ. وممارسة المشاركة السياسية لا تبدأ من فراغ, وإنما تبدأ من حصاد أو تراكمات التنشئة السياسية للمواطن ابتداء من مرحلة الطفولة إلي مرحلة الطلائع إلي مرحلة الشباب إلي مرحلة النضج السياسي, من منطلق أن التنشئة السياسية عملية مستمرة ولا تتوقف عند مرحلة معينة, حيث تستهدف نقل الثقافة السياسية من جيل إلي جيل أو إحداث تغيير جزئي أو كلي في مكونات هذه الثقافة. ومن هنا تترسخ لكل جيل من الأجيال ثقافة سياسية خاصة تواكبها أنماط معينة في التفكير والمشاعر والسلوكيات, حيث تختلف طبيعة القيم التي يستطيع أن يستوعبها الفرد من مرحلة لأخري وتحرك سلوكياته تجاه النظام السياسي, {{{ وفي هذا السياق فإن التنشئة السياسية والثقافة السياسية والمشاركة السياسية تشكل أضلاع مثلث متكامل ومتداخل هو مثلث الديمقراطية الذي قد تختلف أشكالها ومظاهرها من مجتمع إلي مجتمع آخر, ولكنها( أي الديمقراطية) تظل في جوهرها واحدا. وتقتضي الديمقراطية هنا كفالة حريات التعبير بجميع صورها وأشكالها, وفي مقدمتها حرية الصحافة ووسائل الاعلام السمعية والبصرية والالكترونية, حيث تلعب وسائل الاعلام المختلفة دورا مهما في كل مراحل التنشئة السياسية, والمشاركة السياسية عن طريق ما تنشره وتبثه من أفكار وقيم واتجاهات بشكل مبسط وجذاب مما يسهل تأثيرها علي المتلقي. هكذا يتركز دور الاعلام أساسا في تمكين المواطن من فهم ما يجري محليا وعربيا ودوليا, وتنمية قدراته للمشاركة السياسية باعتبارها حق وواجب المواطنة. وهنا تكتمل رسالة الاعلام في أسمي أدوارها بتوزيع تلك الأدوار بين الكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية ليتحقق مردود اعلامي أقوي وأفضل وأشمل يخاطب الضمير والوجدان جنبا إلي جنب مخاطبة العقول ويترجم مشاعر الولاء الوطني إلي إرادة سياسية تدفع المواطن( طليعا وشابا ورجلا وكهلا) إلي الانخراط في المجتمع والاندماج فيه إلي حد الذوبان.. وهنا تتحقق أعلي مراحل المشاركة المجتمعية ككل والمشاركة السياسية علي وجه الخصوص. ونجاح الاعلام في هذه المسئولية الوطنية يكتمل بمخاطبة مختلف قطاعات وفئات المجتمع المدني وأيضا فئات المهمشين الذين لاينتمون إلي أحزاب أو اتحادات ومنظمات المجتمع المدني, ويتحقق هذا بدور الاعلام في بلورة ثقافة سياسية ترسخ قيم الممارسة الديمقراطية وتنشط دور المجتمع المدني وتروج قيم التسامح الفكري وقبول الآراء ووجهات النظر الأخري في إطار الحوار البناء لإحداث التفاعل الخلاق بين الرأي والرأي الآخر في إطار المصلحة العليا للمجتمع. {{{ وللتعرف علي مختلف تلك الآراء, من الأهمية بمكان أن تمارس المؤسسات الاعلامية المختلفة قياس الرأي العام بين حين وآخر. وإذا كانت الاستفتاءات الشعبية تستهدف معرفة اتجاه الرأي العام في قضية من القضايا وإعطاء هذه المسألة شرعيتها[ وفقا للمادة152 من الدستور] فإن قياس الرأي العام, بالطرق العلمية يحقق هذا الهدف, فضلا عن كونه أداة للتنبؤ بتصرف معين مقبل من جانب الرأي العام. وعندئذ يمكن استيعاب مختلف المطالب والمصالح الجماهيرية وتحويلها إلي قرارات وبرامج سياسية. ان الحكومة تملك وسائل الاتصال بالجماهير, وبحوث ودراسات الرأي العام تعد من أهم قنوات الاتصال الواسعة التي لاتحقق الاتصال بين الحكومة والجماهير فحسب, وإنما تحقق المشاركة السياسية للجماهير من خلال آرائها وانطباعاتها وتقضي علي سلبية المواطن العادي وتجعله مساهما ايجابيا في كل عمل سياسي, ومن ثم فإن تعميم استطلاع الرأي العام وقياسه بالطرق العلمية يعد مؤشرا مهما في توجيه التنشئة السياسية وتعظيم الثقافة السياسية وتفعيل المشاركة السياسية. يعني هذا أن فرص التعبير والمشاركة من جانب المواطن تؤدي إلي تحسين قدرة الحكومة, والاستطلاع هنا يمكن المواطن من التعبير عن آرائه بشكل غير رسمي وتطوعي وبصوت علني مسموع وتكتسب الحكومة هنا مصداقية تعزز من مكانتها مجتمعيا, فهي الساعية إلي معرفة رأي المجتمع في قضية ما, ولعل هذه الخطوة تكرس دور الاعلام في تعزيز وتفعيل المشاركة السياسية. {{{ وأخيرا يبدو واضحا من العرض السابق أن حرية التعبير في وسائل الاعلام هي جزء من منظومة متكاملة للديمقراطية وأن حرية التعبير في وسائل الاعلام عمل متصل مباشرة بمحو الأمية السياسية والثقافية الاجتماعية والاقتصادية.. إلخ وهذا يتيح لكل مواطن المشاركة السياسية الجادة في تسيير أمور مجتمعه. يعني هذا أن الوظيفة الرئيسية لوسائل الاعلام في هذا المناخ الديمقراطي الجديد ينبغي أن تكون مرآة أمينة في تعبيرها عن التيارات الموجودة في المجتمع, وأن تولي اهتماما خاصا بالمتابعة والتفاعل مع الجماهير والوفاء بالحاجات التي تتطلبها حياة الجماعة والمجتمع, ويعني ذلك أن تتسع أجهزة الاعلام للتعددية الفكرية والسياسية وأن تدعم حق الاختلاف ولا تصادره في إطار قيمة رأي عام مساند للحريات والديمقراطية.