برغم إحجامها عن الإعلان الرسمي بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة تبدو جماعة الاخوان المسلمين وكأنها قد حسمت أمرها وقررت خوض المعركة الانتخابية. الإعداد المبكر للصراع من أجل الحصول علي نسبة معقولة من مقاعد مجلس الشعب جعل المرشحين المحتملين يتحركون في دوائرهم ولكن بحسابات خاصة رغم دعوات المقاطعة التي تتوالي علي مكتب الارشاد وقيادات الجماعة من القواعد الشبابية عبر مواقع الفيس بوك ومنتديات الشباب الخاصة بهم. الجماعة التي تأخر قرارها انتظارا للدراسات المتأنية ومحاولة الوصول إلي توافق مع قوي المعارضة كما يقول الدكتور عصام العريان يؤكد قادتها إن الأصل هو المشاركة ولكن الانتخابات لم تبدأ رسميا ولابد من دراسة كل حركة حتي لاينظر اليها علي أنها غير قانونية. وبعيدا عن الاحتمالات فإن تفاصيل الموقف السياسي للاخوان تشير الي وجود خلافات في الرؤي بين شباب الجماعة الذين يطالبون بالمقاطعة وقادتهم الذين يستعدون لاعلان قرارهم بالمشاركة بل تخطت الخلافات حواجزها لتصل الي أسلوب اتخاذ القرار ومدي الشفافية التنظيمية. المقاطعة.. المقاطعة.. المقاطعة عبر المنتديات شباب الاخوان وجه مجموعات منهم رسائل إلي الدكتور محمد بديع المرشد العام يطالبون فيها بعدم المشاركة وذكر بعضهم أن90% من خيوط المسألة الانتخابية والرؤية الشاملة لهذا الأمر والالمام بتفاصيله بيد مكتب الارشاد وأنه مازال محل دراسة لذلك قرروا طرح حملتهم بالدعوة الي المقاطعة قبل صدور القرار النهائي. آخرون أسسوا صفحات علي الفيس بوك أرسلوا من خلالها رؤيتهم حول الأضرار التي ستترتب علي قرار المشاركة فيما دعا بعضهم إلي وقفة مؤدبة وعاقلة أمام مكتب الارشاد ليصل صوتهم الي قادتهم في حين رفض آخرون الفكرة باعتبارها خروجا عن المسئولية التنظيمية فلا يجب أن يحاسب الأقل مسئولية من هو أعلي حتي لا يتكرر مشكلة تهديد البعض بالاعتصام بمقر الجماعة تعبيرا عن رفضهم لنتائج انتخابات مكتب الارشاد في ديسمبر الماضي عقب الاطاحة بالدكتور محمد حبيب والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح في ظاهرة هي الأولي منذ تأسيس الجماعة قبل أكثر من80 عاما. قيادة المعارضة الشرعية وغير الشرعية أسباب رفض شباب الاخوان للمشاركة عبر صفحات الانترنت تباينت بين من رأي نتيجتها محسومة سلفا للحزب الوطني وبين آخرين يرونها الأسلوب الوحيد الذي يمنح الاخوان الفرصة الكبري لقيادة قوي المعارضة الشرعية وغير الشرعية. الأبناء يرون إنهم الأكثر قوة علي الساحة لذلك يطالبون قادتهم بالضغط بورقة المقاطعة لانتزاع بعض الحقوق مؤكدين أن عدم المشاركة لن يكون أنتخه في البيوت كما وصفوها ولكنها ستكون بداية لعصيان مدني وسلمي تدعمه مسيرات ومظاهرات يومية وحملات انتخابية بدون مرشحين لاحراج النظام. الأمر لم يتوقف علي الموقف من انتخابات البرلمان ولكنه تخطي ذلك حين طالبت أعداد من شباب الاخوان عبر الانترنت بأن تعلن الجماعة عن نسب التصويت داخلها حرصا علي الشفافية والشوري أسوة بحزب الوفد. آخرون ينادون بأن يكون هناك تصويت استشاري لكل الأعضاء بطريقة تدريجية من القاعدة إلي القمة, واشترطوا أن يتولي مسئولو الشعب في المحافظات مسئولية اجراء التصويت الداخلي لينتهي بنتيجة معبرة عن الموقف الحقيقي بكل محافظة. بل تجاوز العديد منهم كل الخطوط الفاصلة ودعوا الي مراجعة أسلوب اتخاذ القرار داخل الجماعة ليكون معبرا عن كل مستوياتها التنظيمية وليس حكرا علي مكتب الارشاد. المقاطعون آثمون وبينما كانت مواقع الانترنت وصفحات الفيس بوك هي المتنفس المتاح لشباب الاخوان للتعبير عن آرائهم كانت الفتوي الشرعية هي أسلوب قادة الجماعة للتمهيد لقرار المشاركة الايجابية باعتبارها نوعا من الجهاد الأكبر وفريضة الوقت. ففي دراسته الشرعية وصف الدكتور عبدالرحمن البر عضو مكتب الارشاد ومفتي الجماعة الداعين الي المقاطعة بأنهم آثمون وقال إن عدم المشاركة أشبه بالهروب من المسئولية والتولي يوم الزحف كما وصف خوض المعارك الانتخابية بأنه فرصة للاحتكاك المباشر بالجماهير لتثبيت حق الاسلاميين في الوجود السياسي كغيرهم ممن يحكمون ويتحكمون في تدبير الشئون العامة للدولة باعتبارها بابا من أبواب الدعوة وفرصة لعرض المشروع الاسلامي فالعمل البرلماني كما جاء في الدراسة التي عرضت علي قيادات الجماعة أحد أساليب الحسبة أما مجلس الشعب فهو أحد منابر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما فيما يتعلق بالمرأة فقال إن لها الحق في الترشيح والتصويت لأن البرلمان ليس ولاية عامة ولكنه يدخل في باب الوكالة عن الأمة وربما كان ذلك ردا شرعيا مناسبا علي رفض بعض الأزواج من الجماعة لفكرة ترشيح زوجاتهم. المراقبون اعتبروا نشر دراسة الدكتور البر علي أوسع نطاق خارج أسوار مكتب الارشاد بداية لتبرير مشاركة الاخوان في الانتخابات رغم تحالفهم مع قوي معارضة تنادي بالمقاطعة. بين الرفض والقبول الخلافات الهيكلية بين أجيال الشباب وبين الشيوخ والقيادات داخل الجماعة وجدت لها طريقا نحو العلانية الألكترونية وهو ما اعتبره المراقبون خطوة نحو كسر الحواجز النفسية التي منعت آلاف الشباب من انتقاد قادتهم منذ إنشاء الجماعة علي يد شاب لم يتجاوز عمره22 عاما هو الشيخ حسن البنا. مطالب شباب الاخوان علي مواقع الانترنت وضعت شيوخها أمام عدة خيارات فلاهم يستطيعون أن يتجاهلوها فتظهر الجماعة وكأنها سلطوية لا تقبل الاختلاف ولا هم قادرون علي قبول مطالب الشباب بماتحمله من مخاطر قد تهدد تماسكها ونظامها السري.