ليست مفاجأة أن تنجح إدارة اوباما أخيرا في إطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة لكن المفاجأة هي أن تخاطر بتحديد جدول زمني للتوصل إلي اتفاق خلال عام واحد. اوباما كان في حاجة ماسة إلي هذا الانتصار الصغير في وقت تتضاعف فيه متاعبه الداخلية والخارجية. , غير انه لا يحتمل هزيمة مؤلمة وفادحة يتوقعها اغلب خبراء الشرق الأوسط الذين يستبعدون التوصل إلي حلول لقضايا الوضع النهائي في هذه الفترة الوجيزة. فإذا كانت الإدارة الأمريكية قد احتاجت إلي20 شهرا تقريبا لإقناع الطرفين بالجلوس معا فهل يكفيها12 شهرا لمساعدتهما علي الاتفاق؟ المتفائلون ومنهم جورج ميتشيل مبعوث السلام الأمريكي يؤكد أن هذا ممكن, ودليله هو تجربته الشخصية البسيطة فعندما قرر أن يطلي حوائط بيته, كما يقول, ظل العمال يعدون للمهمة فترة طويلة جدا ولكن عندما بدأ العمل انتهي سريعا. وهكذا يري أن الإعداد لبدء المفاوضات يستغرق جهدا اكبر ووقتا أطول من جهد ووقت إجرائها. غير أن كثيرين يسخرون مما يعتبرونها أمنيات ساذجة للمفاوض الأمريكي العجوز الذي لا يعترف بأن قضايا الوضع النهائي اعقد كثيرا من مشكلة طلاء منزله. هؤلاء يؤكدون أن المفاوضات المقبلة لن تكون سوي فرصة جديدة ضائعة لصنع السلام. الأكثر خطورة من وجهة نظرهم هو أن الإدارة لم تطرح حتي الآن أي خطط أو مقترحات لتسوية الخلافات الجذرية وتتجاهل أن عواقب فشل المفاوضات قد تكون أسوأ كثيرا من نتائج عدم إطلاقها وهو رأي تؤيده السوابق التاريخية. هذا كله صحيح ومن المؤكد أن إدارة اوباما علي وعي به إلا أن لديها هي الأخري حساباتها التي تدفعها للمجازفة بإعلان مهلة العام حيث تري فيها نوعا من الضغط علي الطرفين لاسيما إسرائيل. ووفقا للحسابات الأمريكية فان اوباما يحتاج إلي بدء المفاوضات المباشرة في هذا التوقيت للادعاء بتحقيق نصر يدعم به شعبيته في وقت يواجه فيه انتكاسات في أفغانستان خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد للكونجرس في نوفمبر المقبل وسط مخاوف وتوقعات بخسارتها. هذا الاحتمال المزعج تزداد خطورته علي ضوء نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلي تراجع شعبية اوباما بين اليهود الأمريكيين. ويشير استطلاع أجراه مركز بيو الشهير إلي زيادة أعداد اليهود المؤيدين للجمهوريين إلي النصف منذ انتخابه في2008. كما اظهر استطلاع آخر اجري في ابريل الماضي إلي أن42% فقط من اليهود سيصوتون لإعادة انتخاب اوباما مقابل78% صوتوا له في2008. تضع واشنطن أيضا البعد الإقليمي في اعتبارها حيث تستعد للانسحاب من العراق وتخطط لمواجهة محتملة مع إيران وهي تطورات تستلزم بناء تحالف شرق أوسطي بمشاركة عربية إسرائيلية ولن تكون الظروف مواتية له دون إطلاق مسيرة السلام. لا يخفي بعد ذلك علي الإدارة الأمريكية حجم الصعوبات التي تواجهها المفاوضات ولكن هناك من يري أن ثمة حقائق مشجعة يمكن البناء عليها. من ذلك أن الضغوط التي مارستها البناء في القدسالشرقية. وبعد انتخابه قبل عام أزال عشرات الحواجز الأمنية في الضفة. وتحدث للمرة الأولي في تاريخه عن إمكانية القبول بدولة فلسطينية. ولا تستبعد الإدارة انتزاع المزيد منه بل ان هناك رأيا بداخلها يعتبر أن تشدده يضمن له المصداقية لدي الرأي العام الداخلي مما يمنحه القوة اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة فيما بعد علي غرار ما فعل بيجين واشنطن علي نتانياهو نجحت في تليين عناده وتصلبه إلي حد ما وإن لم تحقق نجاحا كاملا. فهناك تنازلات لا يستهان بها قياسا علي تطرفه أمكن انتزاعها منه مثل تجميد النشاط الاستيطاني10 اشهر تنتهي في26 سبتمبر المقبل وهو في حد ذاته دافع آخر لواشنطن لإطلاق المفاوضات قبل هذا التاريخ. كما فرض نتانياهو قيودا غير معلنة ولكنها مطبقة علي وشارون وكلاهما أيضا كان من غلاة اليمين. ويرصد الباحث الأمريكي الشهير ديفيد ماكوفسكي الخبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني مؤشرات أخري مشجعة أهمها تزايد التعاون علي نحو غير مسبوق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في المجال الأمني مما انعكس في صورة اختفاء شبه كامل للعمليات المسلحة في الضفة. ويدلل علي ذلك بالإشارة إلي انه في2002 قتل410 إسرائيليين في عمليات انتحارية بينما قتل إسرائيلي واحد في السنوات الثلاث الماضية كلها. ويرصد الباحث مجموعة من الإجراءات الايجابية التي اتخذتها السلطة وساهمت في التوصل إلي تلك النتيجة الباهرة منها طرد الأئمة المؤيدين للمقاومة المسلحة وإصلاح المناهج الدراسية واستبعاد نحو1100 مدرس من مؤيدي حماس وعدم إطلاق أسماء الشهداء علي الشوارع والمنشآت. بهذا يكون أبو مازن قد أوفي بكل ما وعد به ولم يعد لديه ما يقدمه حتي لو كان مستعدا لبذل المزيد. نتانياهو في المقابل لا يجد نفسه مضطرا لتقديم أي شيء بعد أن حصل علي كل ما يريد. ومع استبعاد أي ضغط أمريكي حقيقي عليه يكون من المستحيل توقع أي تنازلات إسرائيلية. يذهب نتانياهو إلي واشنطن وهو يعرف انه عندما تنتهي مهلة التفاوض بعد عام من الآن ستكون حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية قد استعرت. وعندما تدق طبول تلك الحرب الشرسة يصبح مجرد انتقاد إسرائيل وليس الضغط عليها ضربا من الجنون لا يقدم عليه سوي من يريد الانتحار سياسيا.