هي الدنيا : تعليقا علي رسالتي:( بئر الخوف) و(مهلا أيها الموت) لم تسلم الدنيا من ألسنة الخلق.. فأشبعوها ذما وقدحا, وحذروا منها اللاحقين كما حذرهم منها السابقون, فهي اذا حلت اوحلت, وإذا كست اوكست, وإذا أقبلت بلت, وإذا أينعت نعت..وكم من ملك كانت له علامات فلما علا... مات! ورغم ذلك فقد تعلقت بها القلوب وتصارع عليها الخلائق أجمعون, فالدنيا حلوة خضرة, قد ازينت فخلبت بسحرها الألباب وصرعت النبلاء والدهماء.. كم من عزيز أذلته الدنيا وكم من عبد رفعته مكانا عليا( وعبد قد ينام علي حرير.. وذو نسب مفارشه التراب).. آه من الدنيا عندما تكشر عن أنيابها وتظهر علي حقيقتها بعيدا عن زخرفها وزينتها التي استطاعت ان تغوي بهما ضحاياها وفرائسها.. آه من الدنيا عندما تدير ظهرها لمن أوفوا إليها وأمنوا مكرها وتقلبها.. كم من ملوك فقدوا عروشهم وقد عز النصير وضاقت بهم السبل وراغ منهم العبيد كما تروغ الثعالب.. كم من عزيز قوم ذل فهام علي وجهه يتحسس كسرة خبز هنا أو شربة ماء هناك.. كم انت عظيم ياأبي وكم أنت حكيمة يا أمي.. الآن فقط عرفت سر هذا الدعاء الذي لم يكن يفارق لسانيكما الطاهرين طالبين من الخالق العظيم الستر في الدارين.. لو اجتمع كل حكماء الدنيا لكي يصيغوا دعاء ماتجاوزوا هذا الدعاء الجامع المانع( نسألك يا الله الستر في الدنيا والآخرة)... آه من شماتة الأعداء.. آه من عضال الداء.. آه من سؤال اللئيم وتنكر الصديق.. آه من ظلم ذوي القربي( وظلم ذوي القربي أشد مضاضة.. علي المرء من وقع الحسام المهند) آه من ضعف قوتك وقلة حيلتك أمام صغيرك عندما يطلب الطعام أو الشراب أو الكساء وقد ضاقت اليد وقلت الحيلة وتلظت الكبد وانكسر الفؤاد..!! وهاهي رسالة( بئر الخوف) قد نكأت جراح المكروبين والمكلومين من الذين صرعتهم الدنيا بغير هوادة او شفقة... تلك الرسالة التي حوت الكثير من الدروس والعبر.. في تعريفه للعقل يقول عمرو بن العاص:( العقل هو الاصابة بالظن ومعرفة مايكون بما قد كان.. والعاقل من يقرأ التاريخ ويتأمل حياة البشر ليعرف ان الانسان ابن اغيار, ومن المحال دوام الحال وكم من حضارات وامم سادت ثم بادت وكم من اناس ملكوا المال والجاه والسلطان ثم تبدلت احوالهم وأصبحت اقصي امانيهم ان يجدوا حد الكفاف, فالعاقل من يأخذ من صحته لمرضه ومن غناه لفقرة ومن شبابه لهرمه. الابتلاء بالأمراض والكرب او بضيق الرزق ليس علامة سخط او غضب من الخالق, بل ربما كان تطهيرا للنفس ومجلبة لمغفرة الله ورحمته كما ان الابتلاء لايكون بالمنع وضيق الرزق فقط بل يكون ايضا بالعطاء وبسط الرزق( ونبلوكم بالشر والخير فتنة) ولربما كان الابتلاء بالمال والغني اكثر فتنة وخطرا علي النفس البشرية التي ربما يغريها ذلك بالكبر والخيلاء والاستغناء( علم الانسان مالم يعلم.. كلا ان الانسان ليطغي) وكثيرا ما يكون المرض والفقر سبيلا للتقرب والتبتل الي الله وتكون دموع الحزاني وآهات المكروبين جالبة لرحمة الخالق العظيم وعفوه, وكأني بصاحبة رسالة( مهلا أيها الموت).. وهي تجلس يوم القيامة تحت شجرة البلوي وقد صبت الرحمات عليها وعلي ذويها صبا جزاء عظيم بلائها وجميل صبرها...! هناك نفر من الناس وصفهم القرآن:( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف, تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) لقد تدثروا بالعفاف وعزة النفس وهم الذين يستحقون أن نبحث عنهم ونذهب إليهم في الخفاء فنحفظ عليهم تعففهم وكبرياءهم وعزتهم, وفي قرارة أنفسنا نعزو الفضل الي الله الذي رزقنا ووفقنا لفعل الخير ونسأله القبول, ويكون عملنا بعيدا عن السمعة والرياء كما فعل ذلك الامام الاعظم علي زين العابدين, فقد كان بعض من أهل المدينةالمنورة يقولون إن زين العابدين بخيل وانهم لم يروه يوما يتصدق, وكان زين العابدين يسمع هذا الكلام فلا يلقي له بالا, ومرت الايام وتوفي زين العابدين وبينما كانوا يغسلونه اذ رأوا في كتفه علامات لاتري إلا في الحمالين فسألوا: هل كان علي حمالا؟ ولم يعرفوا سر هذه العلامات وصلوا عليه ودفنوه, وكان هناك في المدينة نحو100 بيت فقير وكانت تأتيهم صدقاتهم ليلافكانوا يفتحون بابهم وقت الفجر فيجدون صدقات عند الباب ولا يعلمون من أين تأتي ولكن عندما توفي زين العابدين ومن اول ليلة انقطعت الصدقات عنهم, فلقد مات زائر الليل النبيل.. مات الحمال( حمال الخير).. مات زين العابدين..!! وعودا الي( ام دفر) كما كناها ابوالعلاء المعري.. عودا الي الدنيا وتحذيرها الذي لاتكف عن ترديده صباح مساء: هي الدنيا تقول بملء فيها حذار حذار من بطشي وفتكي فلايغرر كم مني ابتسام فقولي مضحك والفعل مبكي رضا نبيه/ مدرس أول لغة انجليزية [email protected]