قديمة هي علاقة الطب بالأدب, وقد أثبتت نفسها علي امتداد حقب طويلة ومن خلال أسماء كبيرة لأطباء مارسوا الكتابة وبرعوا فيها, فكانت لهم أعمالهم التي سكنت وجداننا. نذكر منهم الدكتور محمد حسين هيكل والدكتور إبراهيم ناجي والدكتور يوسف إدريس والدكتور مصطفي محمود والدكتورة نوال السعداوي والدكتور أحمد تيمور والدكتور علاء الأ سواني ولن ننسي بالطبع الأديب العالمي أنطون تشيكوف بانسانياته الخالدة, علاقة الطب بالأدب لا تحتاج الي عناء التفسير والشرح فهي علاقة تشرح نفسها, إذ إن موضوع الطب والأدب, وعنايتهما واحدة هي الانسان مادة وروحا, الجسم والنفس وهو ما يفسر نجاحات الأطباء الذين اتجهوا الي الكتابة بعدما تركوا كتاب الطب الي كتاب الأدب. في هذه النماذج كان الدكتور محمد الهادي سلامة الذي قدم لنا مجموعته القصصية الأولي البهلوان ففاجأنا بمولد أديب وقاص متميز كانت له ممارسات في الكتابة لمسرح الجامعة ايام أن كان طالبا بكلية طب الإسكندرية ورئيسا لفريق التمثيل بها ومخرجا لمسرحياتها ايضا مع مجموعة من ابرز الأسماء التي لمعت داخل الجامعة ثم خارجها الي اليوم, وفي البهلوان يقدم لنا الدكتور سلامة ثلاث عشرة قصصية يكشف من خلالها عن رؤية الطبيب الذي يشرح آلام الجسد والنفس معا ويرصد أوجاع الناس واحلامهم واحباطاتهم كاشفا كل درجات اللون في حياة الانسان بأسلوب ساخر وعين فاحصة رصدت وتأملت وحللت وكشفت ثم كتبت وعالجت أشد انواع الماسي وأكثرها فتاكة بروح ساخرة تصف العلة والأداء وتشير إلي العلاج والدواء من خلال إيماءات دالة تختزل المواقف في كلمات قليلة وسرد جديد يقطع فيه المؤلف الخط السردي احيانا من خلال الشرح أو التعليق أو حتي النصيحة والتوجيه نافيا الزمن أو متعمدا تجميده وايقاف تتابعه من اجل الوصول الي الهدف الذي صمم قصصه من أجل الوصول إليه معتمدا أكثر من طريقة للسرد كالوصف والحوار من خلال اكثر من شخصية في اكثر من موقف أو مكان وزمان.. ولا تخلو المجموعة مع أسلوبها الساخر من بعض الحكمة أو الفلسفة نتيجة التأمل الطويل الفاهم لحركة الحياة والبشر( البهلوان بكالوريوس عم جابر أولاد عزت المصري) كأمثلة ففي القصة الأولي يقدم المؤلف نموذجا بشعا للنفاق والفساد عندما يتمكن داخل إحدي مؤسسات العمل بأسلوب ساخر أن يتفق مع شخصية البهلوان بطل القصة, وفي الثانية يرسم صورة يعرضها كل طلبة نهائي الطب خلال امتحان الحالات, أي في القصة الأخيرة فيشرح المؤلف من خلال تلك الفترة التي انتدب فيها للعمل رئيسا لأحد المستشفيات في جوبا بجنوب السودان مشكلة الجنوب السوداني كله كما يعيشها أهل الشمال والجنوب معا, وفي كلمات قليلة مكثفة نتعرف علي أبعاد مشكلة عاشت وتغلغلت يرويها من خلال مصري التقي به المؤلف هناك وهي الحقيقة التي يعرفها الجميع ثم يتجنبون الخوض فيها. إذن البهلوان التي قدمت لنا كاتبا بدأ كبيرا نرجو لصاحبها الاستمرار علي نفس هذه الدرجة من الفن والمتعة.