أثار الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بإلزام الكنيسة المصرية بمنح ترخيص الزواج رؤية استرشادية للأحوال الشخصية لغير المسلمين المستشار د. محمد حنفي محمود محمد أثار الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بإلزام الكنيسة المصرية بمنح ترخيص الزواج الثاني لأحد المسيحيين أيا كان سبب الطلاق ردود أفعال عديدة في الأوساط القانونية والقضائية المهتمة بمنازعات الأحوال الشخصية سواء أكانت للمسلمين أم المسيحيين وقد أكدت لنا التجربة العملية في قضاء الأحوال الشخصية ملاحظة مهمة ألا وهي تشتت ذهن المتخصصين بين قوانين عديدة تحكم الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين علي حد سواء, ولاشك إن انقسام الديانة المسيحية إلي ملل ثلاث هي الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت وانقسام الملتين الأولي والثانية إلي أربع طوائف بالنسبة للأولي وسبعة بالنسبة للثانية أدي إلي تشعب وتعدد الشرائع التي تحكم منازعات هذه الطوائف كلها. ولاشك أن القرار الذي أصدره معالي المستشار وزير العدل بتشكيل لجنة من المتخصصين في الدين المسيحي والمستشارين لصياغة قانون خاص بغير المسلمين في مصر لهو أولي الخطوات الجادة نحو توحيد التشريعات المتفرقة. وأري أن هناك عدة اقتراحات علي جانب كبير من الأهمية يجب أن تراعيها اللجنة في عملها أملتها الخبرة العملية في هذا النوع المهم من الدعاوي وهي كالأتي: 1 إن الصدام الحاصل الآن بين الكنيسة والقضاء لن يخرج عن تحديد نقطتين أساسيتين أولهما المبادئ التي تعتبر من أصول العقيدة المسيحية وتمس كيان الديانة المسيحية ذاتها, وثانيهما تلك المبادئ التي لا تعتبر من هذه الأصول ولا تمس كيان هذه الديانة والغالب فيها تطبيقها علي جميع المصريين أيا كانت ديانتهم تحقيقا لمبدأ المساواة بين المواطنين. 2 أنه لا يجوز للجنة أن تتبني الرأي القائل بجواز الزواج المدني للمسيحيين خارج الكنيسة, ذلك أن هذا الرأي في اعتقادنا يخالف الأسس الرئيسية وأصل العقيدة المسيحية كلها, كما أن اللوائح تعتبر بنصوص قاطعة الدلالة أن الزواج سر مقدس يثبت بعقد يرتبط به رجل وامرأة طبقا لطقوس الكنيسة ويترتب علي تخلفه عدم صحة الاحتفال بالزواج بغير تصريح الرئيس الديني, ويقام سر الزواج علنا في الكنيسة بواسطة كاهن معين في التصريح الذي يصدره الرئيس الديني, فيفهم من هذه النصوص وغيرها أنه يجب أن يتم الزواج داخل الكنيسة( الإكليل) ولا يمكن أن يعقد خارجها وإلا كان باطلا. 3 أنه لن يضير الدولة المصرية المسلمة حظر الزواج الثاني للمسيحي المخطئ أو تحديد سبب الطلاق في علة الزنا فقط أو غيرها, حيث أن هذا الحكم يمس مساسا شديدا بأصل العقيدة المسيحية ولا يخالف الشريعة الإسلامية أو النظام العام في مصر. 4 انه إذا كان من المسلم به وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية في منازعات الأحوال الشخصية لغير المسلمين متي كانوا مختلفي الملة والطائفة, إلا أن ذلك مشروط بكون الشريعة الإسلامية لاتتصادم مع المبادئ الأساسية المتصلة بجوهر العقيدة وأسس الديانة المسيحية, وذلك حتي لا يؤدي ذلك إلي هروب المسيحي من ديانته وينحرف عن عقيدته بتغيير ملته أو طائفته متذرعا لأي سبب طالبا تطبيق الشريعة الإسلامية والحكم له بإثبات طلاقة زوجته بالإرادة المنفردة أو السماح له بتعدد الزوجات, وعلي هذا فيجب علي اللجنة أن تنص صراحة علي امتناع تطبيق الشريعة الإسلامية علي المسيحيين مختلفي الملة أو الطائفة عند تعارضها مع ما استقر في الديانة المسيحية بالضرورة وبات أساسا واضحا لها. 5 أنه يجب علي اللجنة الانتباه جيدا إلي المراكز القانونية التي استقرت للأفراد الذين سبق لهم الحصول علي أحكام نهائية بإلزام الكنيسة بالتصريح لهم بالزواج الثاني, فهؤلاء قد أصبح لهم وضع قانوني مستقر يجب علي الدولة مراعاته والعمل علي تنفيذ حكم القضاء النهائي في هذا الشكل طالما لم ينزل عنه من صدر الحكم له,, ولاشك أن هذا المركز القانوني سوف يتعارض مع الآراء التي سوف تبدي في اللجنة بحظر الزواج الثاني للزوج المخطئ وحظر الطلاق إلا لعلة الزنا كما تتمسك بذلك الكنيسة القبطية وتعارضها في هذا الشأن الكنيسة الإنجيلية. 6 أن المادة السادسة من القانون رقم472 لسنة1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية الذي ألغي ما كان موجودا في مصر في هذا الوقت من محاكم شرعية للمسلمين ومجالس ملية لغير المسلمين ونص في المادة2/6 من هذا القانون علي أن تصدر الأحكام في منازعات المصريين غير المسلمين متحدي الملة والطائفة الذين لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون طبقا لشريعتهم مما يعني أن المشرع المصري ومنذ عام1955 قد ارتقي بالقواعد التي تتضمنها هذه الشرائع إلي مرتبة القواعد القانونية التي ينضبط بها المخاطبون بأحكامها فلا يحيدون عنها في مختلف مظاهر سلوكهم باعتبارها دستورهم الخاص ومنها وأهمها لائحة الأقباط الأرثوذكس التي اقرها المجلس الملي العام عام1938 بحسبانها شريعتهم المقصودة في المادة2/6 من القانون462 لسنة1955 سالفة الذكر وباعتبارها صادرة عن الرئاسة الدينية لهذه الطائفة التي ارتأت فيها معبرة عن إرادة أعضاء تلك الطائفة وإنها تصلح لحكم حياتهم الاجتماعية ولها وحدها يدينون بالولاء, ومن ثمة فليست كل نصوص هذه اللائحة غير صحيحة أو غير ملائمة للتطبيق في الوقت الحاضر, بل إن العديد من نصوصها يظل مناسبا حتي الآن وذلك حتي لا يضيع وقت وجهد اللجنة سدي. 7 أنه سوف يكون من السهل الميسور علي اللجنة جمع القواعد والمبادئ القانونية التي سو ف يعمل بها في الولاية علي المال بالنسبة للمسيحيين باعتبارها خاضعة لقانون الولاية علي المال بالنسبة للمسلمين وفقا للقانون رقم119 لسنة1952, وكذلك الحال بالنسبة للمواريث وفقا للقانون77 لسنة1943 والوصية وفقا للقانون رقم71 لسنة1946, ويكفي في ذلك النصوص القانونية الخاصة بالإحالة لهذه التشريعات سالفة الذكر, وذلك أن هذه المسائل كلها من الأمور التي لا تمس أصل الديانة المسيحية ولا أي عقيدة تدين بها أي طائفة منها. 8 أنه يجب علي اللجنة أن تراعي عرض هذا المشروع علي الأزهر الشريف عقب الانتهاء منه لتنقيته من أي شائبة عدم الدستورية بمخالفة الشريعة الإسلامية عملا بالمادة الثانية من الدستور التي تعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وفي الختام فأننا نرجو من الله أن يوفق هذه اللجنة في إنجاز مهمتها الشاقة في الأجل المضروب حتي يأتي هذا التشريع المنتظر بما يصبو إليه الشعب المسيحي الشقيق ويكون معبرا عما يدينون به في شريعتهم وحتي يندرج هذا التشريع ضمن إطار التشريعات المصرية باعتباره قانونا واجبا التطبيق وبالتالي فأن الأحكام القضائية الصادرة تطبيقا له سوف تكون لها حجيتها وقوتها الإلزامية في التطبيق ويتعرض معارض أعمالها وتطبيقها للجزاءات الجنائية المقررة قانونا من عقوبات وتدابير علي حد سواء. الرئيس بمحكمة استئناف المنصورة