الدلالة الواضحة لافتتاح الرئيس مبارك لمنطقة المعادي التكنولوجية هي أن هناك اهتماما ودعما حكوميا وسياسيا كبيرين لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات, وأن هذا الاهتمام والدعم ليس وليد اللحظة بل تجلت صوره وأشكاله علي مدي الأعوام القليلة الماضية. وقد يدفع البعض بأن هذا الاهتمام مرده إلي أن رئيس مجلس وزراء مصر كان يقود هذا القطاع قبل توليه منصبه الحالي, وقد يدفع نفر آخر بأن هذا الدعم يأتي بسبب الأداء الجيد للوزير الحالي الدكتور طارق كامل خاصة بعد نجاحه في تحويل هذا القطاع إلي أحد القطاعات التي تدر دخلا علي خزينة الدولة وبشكل متنام. التفسيران منطقيان ولهما من الوجاهة والصحة الكثير والتفسير الثالث الذي قد يضاف إليهما أيضا هو أن هذا القطاع الحيوي في العالم بأسره بات في معظم الدول المتقدمة قاطرة النمو ومعيارا لمدي التقدم وانعكاسا للقدرات الإبداعية في هذه الدول. بل وأكثر من ذلك, فقد تحولت التكنولوجيا إلي قاسم مشترك في جميع أنشطة الحياة اليومية وكل المجالات الصناعية والتجارية والزراعية وغيرها من المجالات التي تعتمد علي التكنولوجيا بشكل أساسي لتطوير أدائها وزيادة فعالية وجودة منتجاتها وخدماتها. وبالطبع هناك تفاوت واضح بين الدول المتقدمة وتلك الناشئة فيما يتصل بالاعتماد علي التكنولوجيا والاستفادة من قدراتها وتفاعل المواطنين معها وإحساسهم بأهميتها. والملاحظة اللافتة للنظر في الحالة المصرية هي أن هناك من يري أن هناك إحجاما من عموم المصريين عن التعاطي مع التكنولوجيا أو علي الأقل أنها لا تؤثر في حياتهم بالشكل الذي يبرر وجود قرية ذكية ومنطقة تكنولوجية وما بينهما من شركات وأخبار وزيارات وغيرها من الملامح التي توحي بوجود قطاع قوي وفاعل. لكن الواقع مغاير تماما لهذه الملحوظة غير المدروسة لأنه ببساطة شديدة يكفي أن نعرف أن هناك نحو60 مليون مشترك في شبكات المحمول, وأكثر من18 مليون مستخدم لشبكة الانترنت, ونحو3600 شركة مصرية عاملة في هذا القطاع, وأكثر من192 ألف محترف وموظف, ونحو1990 ناديا تكنولوجيا منتشرة في ربوع مصر. هذه الأرقام تعكس حجم وعدد المتعاملين معه والمستفيدين من خدماته وفرص العمل التي يوفرها. وافتتاح منطقة المعادي التكنولوجية يسهم بشكل كبير في عملية تنمية هذا القطاع وخلق فرص العمل حيث توفر35 ألف فرصة عمل للمحترفين المصريين الذين يعملون بهذا القطاع. ومنطقة المعادي التكنولوجية في حد ذاتها كمكان لا يمكن أن تحظي بأهمية إلا إذا كانت مقترنة برؤية واضحة لاستغلالها ودمجها في خط استراتيجي واضح يمكنها من لعب الدور الذي ستقوم به, وهو ذات الدور الذي تقوم به القرية الذكية حاليا, وهو نفس الدور الذي ستقوم به جميع القري الذكية والمناطق التكنولوجية التي يتم التخطيط لها حاليا. القرية الذكية وميزة منطقة المعادي التكنولوجية و القرية الذكية أنها توفر بنية أساسية تعتبر حتمية لنمو مصر في هذا القطاع حيث تعمل كعنصر جذب للشركات العالمية والمحلية الساعية للوجود في مناطق مخصصة لهذا النوع من الأعمال تتناسب مع طبيعة التكنولوجيا المستخدمة لإتمام هذه الأعمال. و إذا كانت منطقة المعادي احد المكونات الأساسية في مزيج الإستراتيجية المصرية لتنمية قطاع تكنولوجيا المعلومات, فإن الكوادر البشرية تأتي علي رأس المقومات المصرية التنافسية خاصة أن الجامعات المصرية لا تخرج أعدادا غفيرة فحسب, و لكنها تفرز أعدادا معقولة جدا في تخصصات نوعية تحتاجها صناعه تكنولوجيا المعلومات و الخدمات المرتبطة بها بل والأكثر من ذلك أن هؤلاء الخريجين يمتلكون مهارات التحدث بعدة لغات. فبالإضافة إلي أعداد الخريجين من كليات الهندسة والحاسبات والتجارة, والآداب, والألسن, وغيرها من الكليات التي يستطيع خريجوها العمل بهذا القطاع, تأتي ميزة مصر القوية في طلاقة عدد لا باس به من هؤلاء الخريجين في لغات الإنجليزية, والفرنسية والاسبانية, والايطالية, والألمانية. و هذه القدرة اللغوية تعد من ابرز أسباب اختيار الشركات العالمية لمصر, لان هذه الشركات تمتلك قائمة عملاء عالمية في مختلف المواقع الجغرافية و تحتاج إلي محترفين يستطيعون التواصل مع هؤلاء العملاء بلغاتهم الأصلية و بلكنات محايدة و هو ما توفره مصر. وبالإضافة إلي ذلك, فإن قدرة المحترفين المصريين اللغوية تمتزج بموقع جغرافي فريد للدولة يمكنها من خدمة هؤلاء العملاء في جميع المواقع الجغرافية لان فروق التوقيت ليست متباعدة مثل دول أخري تنافس مصر في هذا المجال. مراكز الخدمات وإذا كانت الفترة الماضية شهدت نجاحا كبيرا لمصر في مجال التعهيد و مراكز الخدمات المتخصصة, فان الفترة القادمة ستشهد التركيز علي خدمات تكنولوجيا المعلومات ذات القيمة المضافة العالمية والتي تستوجب وجود مهارات أكثر و تخصصات أعلي, ففي الوقت الذي تركز فيه الدولة علي إيجاد اكبر عدد ممكن من فرص العمل, يعمل قطاع تكنولوجيا المعلومات علي اجتذاب الشركات العالمية التي تستطيع توظيف ألاف الخريجين و لكنه في الوقت نفسه يركز علي اجتذاب شريحة أخري من هذه الشركات. وهذه الشريحة تستطيع توظيف أعداد اقل ولكنها قادرة علي تحقيق عوائد مرتفعة جدا وذلك نتيجة للطبيعة الإبداعية والابتكارية لهذا النوع من العمل. فبالتوازي مع توفير مناطق تكنولوجية تستوعب عشرات الآلاف من المحترفين المصريين, هناك تركيز علي تشجيع ورعاية الإبداع والابتكار وريادة الأعمال حتي يمكن توليد قيمة مضافة أعلي. وقضية تشجيع الابتكار يجب أن تكون علي أعلي سلم الأولويات في كل القطاعات, لان الإبداع والابتكار هما القادران علي أحداث نقلة نوعية في أي مجتمع. و بالرغم من وجود أمثلة حية علي رعاية الابتكار و الإبداع داخل قطاع تكنولوجيا المعلومات, إلا انه يبدو أن هناك خطة إستراتيجية للتركيز عليهما في الفترة القادمة. فهناك اتجاه واضح لزيادة أعداد الحضانات التكنولوجية التي يتم من خلالها رعاية أفكار الشباب من المبدعين و تزويدهم بمكان و أجهزة, و استشارات حتي تتحول أفكارهم إلي شركات بالفعل تستطيع المنافسة. والأمثلة الموجودة بالفعل داخل هذه الحضانات تؤكد وجود الإبداع و الابتكار في دولة بحجم مصر, ولكن الأمر فقط يحتاج إلي تركيز وتنسيق وإستراتيجية متكاملة تعكف وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات علي وضع لمساتها النهائية من خلال حوار مع الصناعة ومن خلال شراكة مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية تميز العمل داخل هذا القطاع الحيوي.