ربما أكثر ما يربط فكرة الحوار بالواقع في منظمة المؤتمر الإسلامي, أنها ولدت في ظروف كان العالم الإسلامي في حاجة لإظهار قضاياه. فلم يكن الحريق المتعمد الذي أضرمه أحد المهاويس في المسجد الأقصي هو السبب المباشر. في تقديري, لوجود هذه المنظمة وإن كان هو صاحب القول الفصل في فكرة توحيد كلمة المسلمين التي طالما راودت المفكرين والساسة علي حد سواء. فقد جاء هذا الحريق المتعمد ليضع السؤال صريحا أمام الجميع وهو: أين العالم الإسلامي بين كل هذه الكتل والتوجهات السياسية؟ وأين يمكن أن يقف طموح البعض وخاصة أنه يطول الدول الإسلامية ويهددها في عقر دارها بلا أدني خوف من المساءلة, وهل الدين الإسلامي يقف عند حدود لا يتجاوزها أم أنه عقيدة من نوع خاص لا تنسي أننا في النهاية كبشر مطالبون بتعمير الأرض بعلم وثقافة وفكر سياسي يقوم علي مبادئ الشريعة الحنيفة التي تؤكد أنه لا ضرر ولا ضرار. وفكرة الحوار موجودة في الأصل في أدبيات الإسلام وفي سياسته ولهذا كان من الضروري أن تلتزم بها المنظمة الوليدة التي جاءت لتدافع في بداياتها عن المقدسات الإسلامية وتعزيز أواصر التعاون بين الدول الإسلامية, التي تري أن الحوار مع الآخر ووضع النقاط علي الحروف فيما يخص مصلحة الإسلام والمسلمين من أهم أولوياتها. وبمرور السنوات تحاول المنظمة ومع كل شخصية مسئولة أن تعيد طريق الحوار وإن كان الزمن والظروف يختلفان, وهو ما يفرض بلا شك إيقاعا مختلفا أيضا مع قضية الحوار, فقد كانت القضايا الحوارية التي فرضت نفسها في عهد عبدالرحمن تانكو الماليزي صاحب منصب أول أمين عام للمنظمة من تأكيد لأهمية الحفاظ علي المناطق المقدسة واحترام مباديء الوجود الإسلامي في منطقة القدس وفلسطين مختلفة تماما عن القضايا الأكثر تشعبا التي فرضت نفسها نتيجة تعقد المجال السياسي الدولي واختلاف المصالح الدولية التي لا تزال الكثير من الدول تقف موقف المتفرج منها دون أدني محاولة للمشاركة ظنا أن الإنكفاء علي المشاكل الداخلية لكل دولة كفيل بحل الكثير من القضايا ولو بشكل فردي. كما أن بعض الأمور قد تعني الدخول في ساحة الصراعات الكبري الذي قد يكبدها خسائر ويعرقل مساعيها الداخلية للتنمية. واليوم أصبح التعبير في الأمة الإسلامية كما يقول دكتور أكمل الدين إحسان أوغلو أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي دورا له ضرورة سياسية خاصة في وجود طموحات للأمة الإسلامية بشكل عام, وهو ما أوجب الظهور علي منابر الأممالمتحدة والمنابر الدولية وتحديد المبادرات اللازم اتخاذها وتحديد قرارات مشروعات وكوادر بشرية جديدة تقوم بهذا العمل علي مستوي العالم ولهذا يمكن اعتبار السنوات الثلاث الأخيرة هي سنوات حوار الحضارات بالمنظمة, حيث شهدت إنشاء مرصد للإسلاموفوبيا يقوم برصد حالات الخوف من الإسلام وهو مواز لفكرة فهم أرضية الحوار, بالإضافة إلي الاتجاه التقليدي كالمشاركة في منتديات تحالف الحضارات, كما حدث أخيرا في مؤتمر ريودي جانيرو بالبرازيل الذي استفادت منه في فتح حوار مع الجمعيات الإسلامية لمصلحة مشروعات المساعدات الإنسانية. واليوم في بكين, فالمحاورة مع الصين, أكبر عملاق آسيوي, وهو حديث لمصلحة مسلمي الصين, التي تضم56 قومية يمثلون فيها نسبة محسوسة, حيث يوجد المسلمون الأيجور الذين ينتمون إلي البطون التركية والأوزبك والقرغيز, بالإضافة إلي الهونا وهم ينتمون إلي أصول عربية وفارسية وهم يعيشون جميعا داخل الكيان الصيني الضخم مساحة وسكانا, والمفتاح الحواري هذه المرة له دلالة اقتصادية مضاف إليه ورقة التعددية الثقافية التي تلتزم بها الصين الآن من أجل التوازن الداخلي مع كل العناصر التي تعيش علي أرضها وتحمل الجنسية الصينية من جهة والعناصر الخارجية التي تمثل القوة العالمية التي لا تقصرها الصين علي قوة أحادية أو حتي ثنائية.فمن يتحدث مع العملاق الصيني لابد أن يكون لديه فهم لمفردات الحوار ولو لم يفهم المسلمون هذا الجار ولو لم يتحدثوا مع الجار اللاتيني ولو لم يجادلوا الجار الأوروبي ولو لم يحددوا أساس علاقتهم مع الجار الأمريكي فلن يكون هناك ببساطة أي جدوي من الحوار.