واقعة اغتيال شخصية من ألمع وأبرز شخصيات القرن العشرين, ومن أكثرها تأثيرا في مجريات احداثه, لاتزال تبوح بأسرار مثيرة. ذلك على الرغم من مضي نحو اثنين وثلاثين عاما علي اغتياله.هو مارتين لوثركينج زعيم حركة الحقوق المدنية في أمريكا. وآخر كتاب يحاول كشف حقيقة القاتل قد صدر منذ نحو أسبوعين واهتم فيه المؤلف الأمريكي هامبتون سايدز بإبراز تفاصيل مهمة عن الرجل الأبيض الذي اغتال لوثركينج القس الأسود الذي قاد حركة الحقوق المدنية منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين, وانخرط في غمار صراعات ومواجهات حاسمة.. وحقق نجاحات تاريخية للسود في أمريكا. وقد هيمنت الحبكة الروائية, بكل ماتنطوي عليه من إثارة علي الكاتب. ومن ثم صار كتابه عملا رائعا في السرد الروائي, بل إن صفحات كثيرة من الكتاب تبدو وكأنها سيناريو بارع لفيلم من أفلام هوليوود وليس أدل علي ذلك من التفاصيل التي أوردها الكاتب عن قصة هروب السجين رقم416 من سجن بولاية ميسوري صباح يوم حار من شهر ابريل عام1967. ويوضح الكاتب أن هذا السجين الهارب وكان اسمه جيمس ايرل راي هو الرجل الذي اغتال مارتن لوثر كينج بعد نحو اثني عشر شهرا, وقد تمكن من الهرب من خلال تهريب ملابس مدنية إليه, وارتداها فوق ملابس السجن وتسلل الي شاحنة تحمل الخبز الي مناطق ريفية. ذلك أنه كان يعمل في مخبز السجن. وأمضي السجين الهارب ست ليال مشي في خلالها مئات الكيلومترات علي طول خط السكة الحديد المتجه الي مدينة كنساس وماأن وصل الي هناك حتي اتصل تليفونيا بأخيه, واتفقا علي اللقاء معا في مدينة سانت لويس. واختفي عن الأنظار ولم يظهر الا في المكسيك في نهاية عام1967 وهذا ماأكدته احدي فتيات الليل التي تعرف عليها جيمس ايري راي وذكرت الفتاة المكسيكية أنه كان يعاني من مشاكل نفسية, وكان مهووسا بالنظافة علي نحو مرضي. كما أشارت الي أنه كان عنصريا يكن كراهية عميقة للسود. القاتل في المدينة ويبدو أن أحدا لم يهتم بظهور جيمس في المكسيك أما ظهوره في مدينة ممفيس بولاية تنيسي في الرابع من ابريل1968 فلم يلحظه أحد, فقد تسلل الي المدينة في نفس الوقت الذي وصل فيه اليها مارتني لوثركينج كما تمكن من الاختباء في منزل مقابل للفندق الصغير الذي أقام فيه لوثر كينج وكان زعيم حركة الحقوق المدنية قد وصل الي ممفيس لتأييد عمال في مطالبهم العادلة, وماأن خرج كينج الي شرفة حجرته بالفندق, حتي أطلق عليه القاتل الرصاص فارداه قتيلا ولاذ بالفرار. وواصل الهرب الي ديترويت ثم تورنتو بكندا ومن هناك استقل طائرة الي لشبونة وفشلت أجهزة الأمن الأمريكية التي جندت نحو ثلاثة آلاف عميل بمكتب التحقيقات الفيدرالية في ملاحقته وإلقاء القبض عليه غير أنه عندما وصل الي مطار هيثرو بلندن, تمكن موظف بالهجرة والجوازات من اكتشافه حين لمح أنه يحمل جوازي سفر. ولولا يقظة هذا الموظف ربما أفلت جيمس ايرل راي من يد العدالة فقد كان يعتزم السفر الي روسيا إبان حكم الأقلية العنصرية البيضاء لها بزعامة ايان سميت وكان كل همه أن يصبح مقاتلا مرتزقا وينضم الي صفوف القوات العنصرية في قتالها ضد حركة التحرر الوطني الأفريقية وعندما تحررت من العنصرية, ونالت استقلالها عام1980 اطلق عليها الوطنيون الأفارقة اسم زيمبابوي. وتمت محاكمة القاتل وصدر حكم بسجنه لمدة99 عاما والغريب أنه هرب من سجنه بولاية تنيسي في يونيو1977 لكن أجهزة الأمن الأمريكية تمكنت من إلقاء القبض عليه بعد ثلاثة أيام من هربه. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن.. لماذا اطلق جيمس ايرل راي الرصاص علي لوثر كينج؟ وهل ثمة قوي دفعته وحرضته علي ذلك؟! في معرض محاولة الاجابة عن هذين السؤالين يشير الكاتب الي أن جيمس ولد في عائلة بيضاء فقيرة وكان مدمنا للمشروبات الكحولية ومفعما بالمرارة والسخط وكان سجله الاجرامي حافلا بالسرقات, كما يشير الكاتب دون تفاصيل أو تحديد الي أن من حرضه علي الجريمة شخص متطرف يميني غني لكنه لايكشف عن اسمه ويكتفي بالقول أن القاتل كان يأمل إن يحصل منه علي مكافأة مالية كبيرة.. وهي استنتاجات لاتستند الي أية أدلة. اضطرابات غاضبة وأيا مايكون من أمر هذا القاتل فإن الرصاص الذي أطلقه علي لوثر كينج لم يقتل الزعيم الأسود وحده, وانما أدي كذلك الي اصابة صاحب الفندق بصدمة نفسية شديدة, فلفظ أنفاسه الأخيرة, كما أدي الي مقتل اثني عشر شخصا, واصابة أكثر من ألف آخرين في الاضطرابات الغاضبة التي اندلعت في أمريكا احتجاجا علي اغتيال كينج. وهنا يتعين الاشارة الي شهادة الكاتب الأمريكي الذي تابع طوال ثلاثين عاما قضايا وأحداث نضال السود في أمريكا من أجل اقرار الحقوق المدنية, فهو يؤكد أنه لو فشل لوثر كينج والسود والبيض الذين ايدوا حركته ونضاله, فإن مناطق شاسعة من الولاياتالمتحدة كانت ستسودها أوضاع بائسة لايمكن تمييزها عن مناطق الأغلبية الإفريقية السوداء في حنوب إفريقيا إبان زمن الحكم العنصري. وكانت مسيرة كينج النضالية السلمية قد بلغت ذروة سامقة في المسيرة الجماهيرية الحاشدة التي قادها الي واشنطن عام1963 للمطالبة باقرار حق السود في الاقتراع وكان لهذه المسيرة تأثير ايجابي في موافقة الكونجرس الأمريكي علي قانون حق السود في الانتخاب عام1965.