دخل مشروع قانون التأمينات الاجتماعية الجديد مرحلة جديدة, وذلك بعد موافقة مجلس الشوري عليه بصفة نهائية, وموافقة مجلس الشعب من حيث المبدأ, علي ان تتم المناقشة التفصيلية للمواد في الجلسات المقبلة, وهكذا يشهد المجتمع المصري حاليا حوارا ونقاشا حادا حول هذا النظام وأهدافه. وهنا تجدر الإشارة إلي أن النظام الحالي يتميز بعدة سمات أساسية أبرزها أنه نظام محدد المزايا مسبقا حيث يتم تحديد قيمة الاشتراكات بمعرفة الخبير الاكتواري في ضوء مايقرره هذا النظام من حقوق كما أنه يقوم بالأساس علي فلسفة أقرب ماتكون إلي التكافل الاجتماعي بين فئات المؤمن عليهم. ويرتكز نظام التأمين الاجتماعي المصري علي حسابات اكتوارية فنية محددة وعلي المزايا التأمينية, ويقوم علي قاعدة سداد الالتزامات التأمينية طوال فترة الارتباط بالعمل, مع نظام للمزايا التأمينية المحددة. وبشكل عام, بدأ نظام التأمينات الاجتماعية المصري يواجه العديد من المشكلات الجوهرية التي أصبحت تتطلب سرعة العلاج الحاسم, فالأوضاع الحالية تنذر بعواقب شديدة في المنظور القريب, خاصة مع ارتفاع احتمالات عدم الاستقرار في التمويل خلال السنوات القليلة المقبلة, والناجمة عن أمور كثيرة ومتنوعة, يأتي علي رأسها التغييرات الديموجرافية المصاحبة للنمو الاقتصادي, والتي يترتب عليها حياة أطول للمتقاعدين, بالإضافة إلي المشكلات الخاصة بسوق العمل في مصر, إذ مازالت مشاركة السكان في قوة العمل منخفضة للغاية بنحو30%, هذا ناهيك عن تضخم قطاع الأعمال غير الرسمي كمستوعب للعمالة, إذ أصبح يستوعب نحو50% من العمالة, مقابل نحو20% فقط في القطاع الخاص المنظم, وارتفاع نسبة علاقات العمل غير الأجرية بالمجتمع التي تصل إلي40% من قوة العمل. وقد انعكست كل هذه الأمور علي النظام التأميني, فبدأ يعاني من وجود التزامات ومدفوعات كبيرة مقابل اشتراكات أقل, الأمر الذي يعني تباطؤ معدل نمو موارد النظام التأميني. ويتميز النظام التأميني المصري بسمات مهمة, وهي تفاوت أقساط وأنصبة التأمينات المحصلة والاشتراكات بين التشريعات المختلفة التي تتكون منها المنظومة التأمينية في مصر. ومن المفارقات أنه علي الرغم من أن نسب الاشتراكات هذه تعد مرتفعة للغاية, إلا أن الحصيلة النهائية للاشتراكات لاتتناسب مع هذه المعدلات المرتفعة, وذلك لعدة أسباب, أولها: ارتفاع نسبة الاشتراك عند الحد الأدني خاصة بالنسبة لأصحاب الأعمال, وثانيا: ضعف الحد الأدني للاشتراك في حد ذاته, إذ إنه يتم وفقا لجدول الأجور المنصوص عليه في القانون رقم47 لسنة1978, ويزداد سنويا بقيمة العلاوة الخاصة. وتختلف النظم التأمينية في مصر من حيث التمويل, فبعضها يمول كليا من المشتركين والبعض الآخر يمول جزئيا, وهناك نظم تأمينية غير ممولة بالكامل وقد ترتب علي هذا الوضع عدة مشكلات أساسية, أهمها مايلي: 1 انتشار ظاهرة التهرب التأميني نتيجة لارتفاع الاشتراكات والمغالي فيها. 2 استقلال كل فئة من الفئات المؤمن عليها بقانون خاص بها, وهو ما أدي إلي التمييز في المراكز القانونية بين تلك الفئات وبعضها البعض. 3 انخفاض قيمة المعاشات المنصرفة للشريحة العظمي من المشتركين, وضآلة ما يحصل عليه هؤلاء. 4 محاباة النظام الحالي لأصحاب الدخول المرتفعة علي حساب أصحاب الدخول المنخفضة مما يزيد من الخلل في توزيع الدخول بالمجتمع. 5 عدم وجود توازن بين الأنظمة الممولة وغير الممولة من حيث نسب الاشتراكات والمزايا الممنوحة مما يؤدي إلي تسرب بعض المؤمن عليهم من بعض النظم إلي نظم أخري, وهو ماأحدث خللا في النظام ككل. وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه الأمور علي الأوضاع المالية للصندوقين, إذ يلاحظ المتتبع لنمو الموارد السنوية للنظام أنها أخذت في الاعتماد علي عائدات الاستثمارات المالية, وتناقص الاعتماد علي الاشتراكات المحصلة من المستفيدين. وعلي الجانب الآخر, نلاحظ أنه منذ عام1998/1997 بدأ صافي الاشتراكات المحصلة يقل عن المعاشات والتعويضات المدفوعة, وأخذت هذه الفجوة في التزايد. يتضح من العرض السابق أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم قدرة النظام بوضعه الحالي, علي تمويل المزايا الممنوحة علي المديين المتوسط والطويل, بالإضافة إلي تنامي العجز السنوي لصناديق التأمينات, وتزايد الالتزامات علي الصندوقين, وهو ماسيدفعها إلي السحب من الأموال الموجودة كاحتياطي, ناهيك عن تشوه التشريعات التأمينية نتيجة كثرة التعديلات التي أدخلت عليها. في إطار ماسبق يمكننا مناقشة الأفكار الجديدة للنظام المقترح, والذي يعمل علي تقارب المعاش مع ماكان يتقاضاه الشخص من مرتب وبدلات وحوافز, حتي يكون المواطن آمنا علي عيشته ورزقه في شيخوخته. وهنا توجد عدة ملاحظات علي بعض المواد في المشروع الحالي, وذلك علي النحو التالي: 1 فيما يتعلق بالمعاش الأساسي يشير المشروع إلي انه سيكون18% من متوسط صافي الأجور علي المستوي القومي, ونري ان الأسلم أن يعادل المرتب الاساسي للموظف الدرجة السادسة بالجهاز الإداري للدولة, وهذا الاقتراح يحقق عدة مزايا, فهو من جهة رقم محدد بالقانون ولاخلاف عليه, عكس الحديث عن متوسط الأجر القومي أو صافي الأجر, فكلها أمور صعبة الحساب ومجال واسع للاختلاف. 2 فيما يتعلق باللجنة العليا للضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية فإننا نري أنها يجب أن تكون برئاسة الوزير المعني بالتأمينات وليس وزير المالية علي أن يكون الثاني عضوا بها. وذلك لان نظرة وزير التأمينات تختلف كثيرا عن نظرة وزير المالية في هذا المجال, خاصة ان اللجنة سيكون منوطا بها وضع السياسات والتنسيق بين النظم الاجتماعية المختلفة. وفي هذا السياق نري ان اللجنة المقترحة بتشكيلها يغلب عليها الجانب الحكومي, ولايمثل فيها العمال إلا بشخص رئيس الاتحاد, ونري ضرورة إضافة ثلاثة أعضاء يختارهم اتحاد عمال مصر. 3 حسنا فعل مشروع القانون بالنص علي إعداد تقرير سنوي عن أداء اللجنة العليا يعرض علي مجلسي الوزراء والشعب ولكننا نري ضرورة ان يمتد هذا النص إلي المادة العاشرة, بحيث تعرض الحسابات الختامية والقوائم المالية السنوية علي المجلسين أيضا مع تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات المعد لهذا الغرض. 4 المادة33 فيها بعض الالتباس, إذ ينبغي أن تكون واضحة الصياغة, بحيث تنص علي أن تزاد المعاشات المستحقة للشيخوخة والعجز والوفاة بنسبة تعادل معدل التضخم وفقا للأرقام القياسية لأسعار المستهلكين علي ان تتحمل الهيئة نسبة8% فقط, والباقي تتحمله الخزانة العامة. 5 فيما يتعلق بالمادة(55) والخاص بضمان الخزانة العامة لأموال المؤمن عليهم, وهو أمر ضروري ودستوري, إلا أننا نتعجب من النص, علي أن يكون ذلك من خلال حساب الخزانة الموحد وهذا يتعارض مع المسئولية التي أولاها الدستور المصري عن أموال التأمينات. 6 مادة87 تنص علي ان تخصم الأتعاب والمصروفات الإدارية خلال الفترة, وهنا يجب وضع حد أقصي لهذه الرسوم, بحيث لاتكون عبئا إضافيا علي أصحاب المعاشات, أو لاتمثل بابا خلفيا لزيادة الاشتراكات. 7 مادة120 والتي تقصر حق طلب الرأي من مجلس الدولة فيما يتعلق بتطبيق القانون علي مجلس إدارة الهيئة وهو أمر يتنافي مع الأعراف القانونية السائدة والتي تتيح للطرفين هذا الحق. هذه بعض الآراء التي نري ضرورة الاهتمام بها ومناقشتها من منطلق العمل علي تحسين موارد النظام التأميني وضمان حصول الأفراد علي حقوقهم وهنا يجب أن يتم الإصلاح المطلوب لنظام التأمينات الاجتماعية في سياق إصلاح هيكلي للسياسة المالية بما يضمن إعادة التوازن المالي للاقتصاد القومي, ويسمح بفك التشابكات المالية في المجتمع, والسير به قدما ومن منظور شامل وواسع يأخذ بعين الاعتبار علاج الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد القومي, ويدفع عجلة التنمية إلي الأمام,وبالتالي توجه سياسات الإصلاح المالي إلي تحقيق هدف النمو الاقتصادي في الأجل الطويل, وذلك عن طريق رفع كفاءة الاستخدام للموارد المتاحة وتنميتها.