قليلون اولئك الذين يجمعون بين الدرجة المميزة والعالية في مجال دراساتهم وتخصصهم وشغلهم منصبا رفيعا في موقع بالغ الاهمية, بين سمات التواضع والبساطة في حياتهم الخاصة والعامة. وفي تعاملهم مع الآخر بلا تعال او تجاهل او تقليل من شأنه. وطه خليل واحد من هؤلاء القلائل منذ ان كان رئيسا لاتحاد الطلبة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, وبعد ان تخرج وعين في مجلس الدفاع الوطني متنقلا في عدة مواقع في مجال العمل العام موظفا بحرفية وقدرة متميزة علي تحليل كل ما تلقاه من مناهج البحث العملي في مجال العلوم السياسية والاقتصادية والاعلامية. واقتضت طبيعة عمله ان تكون ثمرة مجهوده غير مخصصة للنشر ولا التناول في الاحاديث العامة, ومن ثم صار في عمله الدءوب في خدمة بلده ومصالحها الحيوية, جنديا مجهولا قد يحظي بكلمة تقدير في غرفة مغلقة ربما لا يسمع بها الا اشخاص يعدون علي اصابع اليد الواحدة, او اليدين علي اكثر تقدير. ولم تدفعه طبيعة عمله واهميته الي تقمص شخصية الرجل المهم العالم ببواطن الامور, وكان يعلم منها الكثير, ولم تدفعه الي استغلال وظيفته في غير ما يخدم العمل والصالح العام. وقد اضفي برئاسته جمعية خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية منذ بداية1991 روحا جديدة من النشاط والحيوية في اقامة الندوات المثمرة التي شاركت فيها شخصيات عامة متميزة مع نخبة من خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, وأرسي تقاليد ستظل قائمة في جمع الخريجين بمختلف اتجاهاتهم وديانتهم في مناسبات اجتماعية وزيارات ميدانية لمواقع التنمية الوطنية المتميزة, وتتحول الزيارة الي ندوة ثرية بالآراء والافكار والخبرات المتبادلة. ولم يكن اسهامه الفكري بالرأي والحوار في عدة محافل دراسية اقل ثراء ومنها المجلس المصري للشئون الخارجية, ومركز الشرق الاوسط للدراسات السياسية, ومركز حرية للدراسات السياسية والاستراتيجية, والمجلس الاعلي للثقافة, واجهزة الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية. وان من عرف طه خليل وهو وسط اسرته سيذكر دائما انه كان أبا مثاليا في تربية اولاده علي الخلق الكريم والحوار الهادئ وتحمل المسئولية, ودفعهم الي التفوق والتميز بين اقرانهم, سواء في مجال العمل الدبلوماسي لكل من مي وكريم او تكنولوجيا المعلومات لاحمد, وذلك في اطار اسرة مثالية ترعاها زوجة فاضلة كانت نموذجا للتضحية والاخلاص طوال فترة مرضه. سيظل طه خليل لكل من عملوا وتحاوروا معه, ولكل من قدم لهم خدمة او ساهم في ازالة هم عنهم, ولكل من جمعهم في مناسبة علمية او ثقافية او اجتماعية, مثالا يحتذي في عبقرية البساطة والتفاني في اداء العمل العام, ويبقي الانسان حيا بين احبائه بما خلفه لهم من انجازات وسلوكيات يقتدون بها.