أحمد سعد الدين يعد فيلم' حياة بي' المأخوذ عن رواية أدبية للكاتب' يان مارتل' والتي طبع منها نحو7ملايين نسخة, وصيغ منها أصعب سيناريو في تاريخ السينما تم تلخيصة في بضع كلمات لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة حالة سينمائية خاصة, حيث تتلخص القصة كلها في غرق باخرة في المحيط الهادي لم ينج منها سوي شاب في مقتبل العمر بداخله وازع إيماني ومعه نمر بنغالي متوحش علي قارب صغير وسط أمواج المحيط. ''.. الفيلم يحكي قصة صراع الإنسان مع الطبيعة للحفاظ علي بقائه حيا, وهو بطولة' سوراج شارما' و' عرفان خان', سيناريو' ديفيد ماجي' وإخراج' أنج لي', ويتلخص التحدي الكبير أمام صناع هذا الفيلم في ثلاث نقاط مهمة, النقطة الأولي هي كيفية التعبير عن الإضطراب النفسي الذي ينتاب الطفل الصغير في رحلة البحث عن الله' عز وجل' داخل جميع الأديان الموجودة في الهند, والنقطة الثانية هي كيفية امتلاك عين وعقل المشاهد لمدة تزيد علي90 دقيقة يظهر فيها شخص واحد فقط بمصاحبة نمر متوحش دون لغة حوار مشتركة بينهما, وكيفية تقديم صورة منطقية للعلاقة بين الإنسان وأشرس الحيوانات رغم وحدة المصير التي تجمعهما, أما النقطة الثالثة فتمثلت في عنصري الإخراج والتصوير والذي جاء مبهرا إلي حد كبير خاصة باستخدام تقنية ال3D والتي جعلت من المتفرج مشاركا في الأحداث, بل ويشعر بما يحدث أمامه علي الشاشة باعتباره جزءا منها. تدور أحداث الفيلم في مرحلة السبعينيات في منطقة' بونديتشري' الناطقة بالفرنسية داخل القارة الهندية, حيث يبدأ المشهد الأول بطريقة' الفلاش باك' فنري' بي' وهو رجل ناضج في نهاية الثلاثين من العمر يحكي لأحد الكتاب الذين جاءوا لكتابة قصة حياته منذ نشأته في الهند وكيف كان والده مولعا بحب الحيوانات ويمتلك حديقة كاملة بها جميع أنواع الحيوانات من مختلف البلدان, لكن الطفل' بي' منذ نعومة أظافره وهو يعيش في حالة صوفية تتنقل به بين جميع الديانات الموجودة في الهند لكنه يؤمن بأن وراء هذا الكون مالك لابد أن نخضع له أو نحبه لكن أين هو وما مقدار قوته؟. هذا الخط الدرامي يفسر تصرفات هذا الفتي الصغير, ففي رحلة البحث عن مالك الكون نجده يمارس الطقوس الهندوسية ويذهب للتعبد في المعابد اليهودية والكنسية ثم الصلاة في المسجد, ويتعامل مع أحد النمور الشرسة التي يمتلكها والده بلطف, لكن الوالد يعنفه ويخبره أن الحيوان يختلف في طبيعته عن الإنسان, و ما أن وصل عمره إلي الخامسة عشرة حتي قررت الأسرة الهجرة إلي كندا واصطحبت معها بعض الحيوانات علي ظهر باخرة شحن يابانية وأثناء الرحلة هبت عاصفة كبيرة أغرقت الباخرة وما عليها ولم ينج منها سوي قارب صغير عليه الشاب' بي' الذي يكتشف أن معه علي نفس القارب أربعة حيوانات هي حمار وحشي وقرد وذئب ونمر, وهنا يظهر الخط الدرامي الرئيسي في الفيلم في كيفية التعايش مع حيوانات مفترسة وسط الأمواج فلأول وهلة يقتل الذئب الحمار الوحشي ثم القرد فيأتي النمر ليتخلص من الذئب وتبقي العلاقة ثنائية بين شاب لايمتلك سوي بضع وجبات صغيرة من الطعام وكتاب يتحدث عن وسائل الإنقاذ وطرق البقاء علي قيد الحياة وسط المحيط وبين نمر بنغالي شرس قد يفتك بهذا الشاب الصغير إن شعر بالجوع للحظة ما جعل' بي' يعيش في عوامة صغيرة بجوار القارب ويعمل علي صيد الأسماك ليطعم النمر الشرس كي يأمن شره, وهنا تبدأ علاقة جديدة بين الاثنين قائمة علي ترويض هذا الحيوان المفترس كي تستمر الحياة, أيضا يتدخل كاتب السيناريو ليجعل من صوت' بي' الكبير تفسيرا للأحداث التي تدور بين كائنين مختلفين في اللغة وهو ما جعل المشاهد يتفهم ما يحدث أمامه دون ملل من رؤية شخص واحد علي الشاشة قرابة ثلثي الفيلم, هذه العلاقة تمثل ل' بي' عمق إيماني داخلي ظل يفكر فيه حتي بعد أن أصبح رجلا ناضجا, فهذا النمر يعطي دلالة واضحة بأن هذه اليد المتوحشة ستكون سببا في إنقاذه, فهل أرسلها الله سبحانه وتعالي ليبقي علي قيد الحياة؟ حتي عندما قذفته العواصف إلي جزيرة يعيش عليها نوع واحد من الحيوانات هو' السنجاب' فقط عاد الاثنان إلي القارب مرة أخري لاستحالة الحياة علي أرض هذه الجزيرة, لكنه بعدها بأيام قليلة ومن شدة التعب يستسلم للموت وينام فيستيقظ ليجد نفسه علي شاطيء المكسيك, وهنا تنتهي العلاقة بين الرفيقين فيذهب النمر إلي الغابة دون أن يودع صديقة الذي رافقه قرابة7 أشهر وكأنه أدي دوره في إنقاذ حياة' بي' الذي جاءه شخصان من شركة الملاحة ولم يصدقا الرواية الحقيقة فحكي لهم حكاية أخري حتي يتم غلق المحضر الذي يمكن أن يدين الشركة. علي المستوي البصري, نجح المخرج' آنج لي' في عمل كادرات ممتازة بألوان مختلفة فجاءت الصورة ثرية وجذابه خاصة في المناظر الطبيعية, وكان بارعا في استخدام تقنية البعد الثالث3D, كا اختار دائما ساعات العصر في المحيط حتي يبتعد عن تعامد الشمس علي الماء, وجاءت مشاهد العاصفة وغرق المركب بشكل ممتاز نتيجة للمؤثرات البصرية والجرافيك الذي وصل إلي قمته في مشاهد قناديل البحر المضيئة ليلا في المحيط, وكذلك مشاهد السمك الطائر ثم تأتي الموسيقي معبرة عن البعد الروحي أو تشير إلي ذلك الصفاء النفسي داخل الرحلة, واستطاع' آنج' أيضا ضبط أداء الممثلين بشكل جيدا, بداية من' عرفان خان' الذي تميز وجهه بالجمود والحديث بذهول, ويبقي الجانب الأكبرفي التميز للنجم الشاب' سوراج شارما' الذي جسد شخصية' بي' في فترة ضياعه في المحيط, وفي النهاية لعب المكياج دورا جيدا في تحول الشخصية من لحظة لأخري ومن يوم لآخر.