في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي تتطلب كل قطرة عرق لبناء مصر الجديدة التي كثيرا ما حلمنا بها, فإن المصريين مدعوون إلي وضع مصالحهم الخاصة جانبا والإعلاء من شأن المصلحة العليا للوطن. ولابد لجميع القوي السياسية الاسلامية والليبرالية واليسارية والقوي أن تؤمن بلغة الحوار والتفاهم وانكار الذات للخروج من النفق المظلم الطويل الذي أوشكنا أن ندخل فيه. ولابد للكل أن يدرك حجم المخاطر التي تعيش فيها مصر الآن. وإذا لم يتم الحوار علي أسس صحيحة وواضحة تجمع الشمل, وتحقق المطالب, فلن ينتج عنه إلا مزيد من الانقسام, وزيادة الفجوة بين المؤيدين والمعارضين. فنحن جميعا نواجه أزمة حياة, ولا يمكن أن نعبرها دون أن نتكاتف. إن الفرقة والتشرذم والتناحر أخطر أعداء مصر الحقيقيين الذين ينخرون كالسرطان في جسدها. وسوف نواجه التحدي ونهزمه, لأن مصر لا يمكن إلا أن تتقدم إلي الأمام, وخلفها عزيمة الشعب, وإرادته, وثورته. فهذا الشعب العريق الذي اتحد قديما لطرد الفرنسيين في ثورتي القاهرة الأولي والثانية, حين ثار علي نابليون بونابرت المحتل وطرده هو وأتباعه, وطرد الإنجليز المغتصبين من بعده, واتحد وانتصر علي العدوان الثلاثي الظالم, وقهر الإسرائيليين المحتلين, قادر اليوم علي مواجهة سارقي ثورته, وصنع مستقبله الذي يريده. ولن يستطيع فريق أن يستحوذ علي مصر, فهي عبر تاريخها الطويل تستوعب الجميع, وتخلق منهم مزيجا يعيد إليها رونقها, وعبقريتها. ومهما تكن الصعوبات, والمؤامرات, ومهما تكن قوة تحالف الفاسدين, وقوة أعداء هذا الوطن المتربصين ضد ثورته, وحريته, ومستقبله الديمقراطي ستنجو مصر, وسيعبر شعبها إلي مرحلة الاستقرار وإعادة البناء. ومصر هي مصر, وليست أي دولة أخري. لن يهنأ أعداؤها بلحظات شماتة فيها, ولن يروها كما يتمنون ضعيفة, مفككة, متناحرة.