أرسل الله رسله مبشرين ومنذرين, منهم من قص علينا أخبارهم ومنهم من لم يقصص, وكان كل الرسل الذين بعثوا قبل محمد صلي الله عليه وسلم قد أرسل كل منهم الي قومه دون غيرهم, وكانت مهمة هؤلاء جميعا مرحلية أو مؤقتة. وكان ذلك لحكمة أرادها الله حتي تتهيأ البشرية للدين الخاتم الذي بعث الله به محمدا عليه السلام فهو الرسالة الجامعة التي ختم الله بها النبوات وجعلها للناس كافة إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن سنة الله في كونه أن الحياة متحركة ومتطورة فهي دائمة الشباب مستمرة النمو, تنتقل من طور الي طور ومن لون الي لون لا تعرف الجمود أو الركود, ولا تصاب بالهرم والتعطل, ولا يسايرها في رحلتها الطويلة إلا دين حافل بالحركة والنشاط, لا يتخلف عن ركب الحياة ولا يعجز عن مسايرته وزمالته, ولا تقصر عنه خطواته ولا تنفد حيويته ونشاطه. كان هذا ضمن مقدمة كتاب بعنوان تجديد فهم الدين والذي يجيء ضمن سلسلة فكر المواجهة بإشراف الدكتور جعفر عبدالسلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية, والكتاب يرصد مفهوم التجديد ومجالاته وضوابطه وأهميته وإثاره وهو من مؤلفات الدكتور محمد السيد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة. يقول مؤلف الكتاب: إن كل الأنبياء من آدم إلي محمد عليهم جميعا صلوات الله وسلامه يتفقون فيما بعثوا علي أمور ثلاثة هي: الدعوة إلي الإيمان بوحدانية الله والإيمان باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب والدعوة الي مكارم الأخلاق ويكاد ينحصر التباين بين رسل الله فيما يدعون اليه في بعض صور العبادات وأنواعها والله يقول: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. والكتاب الذي تتبناه رابطة الجامعات الإسلامية ضمن سلسلة فكر المواجهة يقع في9 فصول تناولت عددا من القضايا أهمها مفهوم التجديد الديني والصفة الشرعية له, ولماذا كان التجديد الديني فريضة, ودعائم التجديد الديني, ومجالاته وضوابطه وأهميته وآثاره, وكذلك التجديد بين الماضي والحاضر, والعقبات التي تواجه التجديد الديني والتجديد الديني بين النظرية والتطبيق. وحول مفهوم التجديد الديني والصفة الشرعية له قال المؤلف: إن من سنة الله في كونه أن الحياة متحركة ومتطورة وهذا من صميم الدين الإسلامي لأنه دين حي ورسالته خالدة, إنه حي كالحياة نفسها وخالد كخلود الحقائق الطبيعية ونواميس الحياة, وهذا الدين, وإن كان مؤسسا علي عقائد ثابتة وحقائق خالدة, زاخر بالحياة, حافل بالنشاط والصلاحية الدائمة للتطبيق, له من الحيوية معين لا ينضب, ومن ثم كان من خصائص الإسلام دون سواه من الأديان أن تشريعاته تستجيب لهذه السنة من سنن الله في كونه, سنة التنوع في المكان, والتغير في الزمان, وعني التجديد من الناحية النفسية مرونة العقل لاحلال الأوضاع الجديدة محل الأوضاع القديمة, ومن ذلك يتضح أن التجديد يتخذ أحد شكلين: إما القضاء علي القديم بالوسائل الثورية, وإما أخذ طرف من القديم وطرف من الجديد ومزجهما مزجا متناسبا بوسيلة سليمة هادئة. وحول دعوات التشدد ورفض التجديد يقول الدكتور محمد السيد الدسوقي: إذا كان هؤلاء المتوهمون والمتشددون ينطلقون فيما ينادون به من اعتقادهم بأن التجديد قد يكون وسيلة للتحلل من الدين وشعائره شيئا فشيئا خاصة في عصرنا الحاضر الذي يموج بشتي المذاهب الفكرية والاجتماعية وأن أعداء الاسلام يخططون لغزوه معنويا ويسعون للهيمنة الثقافية علي الأمة الاسلامية, فأنهم مخطئون من حيث فهمهم للدين, وهم بهذا الموقف يمنحون أعداء هذا الدين فرصة تشويهه وتنفير الناس منه بالحكم عليه بأنه دين جمود وتعطيل لنشاط العقل, ومن ثم لا يصلح أن يكون دينا عاما خالدا للناس كافة في كل عصر وبيئة. وقال: إن أساس الدين وهو الوحي المعصوم يتسع صدره للتجديد علي خلاف ما يتوهمه البعض, لأن هذا الوحي يحض علي التجديد وينهي عن التقليد هذا من جهة, ومن جهة أخري فالتجديد مجاله الأحكام الظنية وذلك لأن الاختلاف في المدارك والآراء سنة إلهية. وشدد الدكتور الدسوقي علي رفضه الكامل لكل دعاوي التشدد وقال إنه خطأ عظيم في حق الإسلام, لأن التجديد في الاسلام ليس استخفافا بكل قديم وفتح الأبواب لكل جديد, لأن هذا الفهم خطأ كبير ودعوي مرفوضة, لأن التجدد في جوهره ليس تصرفا بشريا خالصا, وإنما هو جهد عقلي واع علي قدر الوسع والطاقة في إطار ضوابط وقواعد شرعية وصدق رسول الله حيث قال: إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها, وهذا الحديث الشريف يصرح بشرعية التجديد للدين. إن الأمة في حاضرها ممزقة ثقافيا بسبب الاتجاهات المذهبية والثنائية التعليمية ووجود المدارس والجامعات الأجنبية في بعض البلاد الإسلامية فضلا عن الغزو المعنوي الذي تخرج علي يديه أجيال لا تتمتع بحضانة من أصالتها الإسلامية وثقافتها القرآنية, ومواجهة ذلك يتطلب تعظيم دعاوي التجديد وذلك لأن الجمود يتعارض مع السنن الكونية.