قبل أيام من الذكري الثانية لثورة25 يناير, امتدت خلافات القوي السياسية إلي طريقة التعامل مع تلك المناسبة المجيدة. بين طرف لا يراها مدعاة للاحتفال وإنما للنضال من أجل استكمال ثورة لم تحقق كل أهدافها. وهو موقف له منطق وحججه وجيهة. يقابله طرف آخر يعتبر أن الثورة اكتملت ومصر تنتقل إلي مرحلة الدولة, لاستكمال ما بدأته الشرعية الثورية بأدوات وآليات الشرعية الدستورية. ومن ثم فإن الاحتفال والاحتفاء بهذا الحدث واجب علي كل مصري. كلا الموقفان صحيح, لكن ليس علي إطلاقه. فبعد عامين من اندلاع ثورة لا زال العالم يتحاكي بها, يصعب القول إنها فشلت أو أن شيئا من أهدافها لم يتحقق بالمرة. كما ليس من الإنصاف اعتبار الثورة اكتملت وحصل المصريون علي ما ثاروا من أجله. لقد حقق25 يناير لمصر إنجازات غير مسبوقة. منها منع توريث الحكم, وخلق مناخ شعبي عام رافض لفكرة التوريث علي كل المستويات. وإخراج رؤوس الفساد السياسي وأباطرة الفساد الاقتصادي من دائرة السلطة. وللمرة الأولي- منذ عهد مينا موحد القطرين- يتولي عرش مصر حاكم مدني مختار من الشعب فعلا لا افتعالا. ومؤخرا عوقب قيادات وكوادر الحزب الوطني بالعزل السياسي لعشر سنوات. كما انتهت سيطرة الأجهزة الأمنية علي بقية المؤسسات, فلم يعد الأمن هو الذي يحكم مصر كما كان الحال حتي ظهر الجمعة الثامن والعشرين من يناير. أما الإنجاز الأهم لثورة25 يناير, فهو كسر المصريين طوق الخوف وخروجهم عن قاعدة الانصياع التلقائي وإيثار السلامة. ليست هذه كل مكاسب الثورة وإنجازاتها, كما أن بعضها لم يؤت ثماره كاملة بعد. لكن الثورة فتحت طريقا لن يتخلي المصريون عن السير فيه حتي النهاية. في المقابل, لم تحقق الثورة كثيرا من أهدافها, ولم تتلاف كثيرا من مسبباتها. لم يتمكن المصريون بعد من رؤية ملامح واضحة للطريق نحو الأهداف الثلاثة الأساسية عيش-حرية-كرامة إنسانية, فلقمة العيش التي كانت مرة قبل الثورة, ازدادت فوق المرارة ندرة. بينما ينعم كل مصري الآن بالحرية لكن علي المستوي الفردي وباندفاع جعلها أقرب إلي الانفلات من التحرر.لم يتحصل المصريون بعد علي مبتغاهم من الكرامة الإنسانية أو صنوها العدالة الاجتماعية بما فيها من تضييق للفوارق بين الطبقات وإعادة تخصيص الموارد وتوزيع الدخول وتطبيق معايير الكفاية والكفاءة في سياسات الحكم وخططه التنفيذية. صحيح أن الدستور نص صراحة علي الحدين الأقصي والأدني للأجور, وجودة التعليم والرعاية الصحية اللائقة. إلا أن بعض تلك الإجراءات لا يحتاج إلي نص دستوري, وإنما فقط قرار حكومي مدعوم بإرادة تنفيذه. أخذا في الحسبان أن الإجراءات والسياسات العامة ذات الأبعاد المجتمعية الشاملة, لا يجب أساسا أن تتخذ بشكل جزئي لكل علي حدة, وإنما يجب أن تجمعها رؤية شاملة متكاملة, تفتقدها مصر حتي الآن. وفي غمرة الخلافات وتنازع السلطات والاستحقاقات, نسي الجميع أو تناسوا- أن الشعب يريد إسقاط النظام وهو ما لم يحدث. إسقاط النظام ذلك المتطلب المسبق لبناء نظام جديد, لم يتحقق منه سوي نذر يسير في بعض مؤسسات الحكم, فتغيرت أسماء شاغليها وليس عقلياتهم, واقتصر التغيير علي التشكيل لا التفكير. والعراك السياسي الدائر حاليا هو في معظمه صراع علي الحكم بألقابه ومناصبه لا بتوجهاته ومناقبه. ظلم فادح لثورة ألهمت العالم اتهامها بالفشل وكأن شيئا لم يكن. وخداع واضح اعتبارها أدت دورها وآتت أكلها. بين ظلم أولئك وخداع هؤلاء, ستبقي ثورة25 يناير, أما هم فستذروهم رياحها هباء. المزيد من مقالات سامح راشد