ماحدث في الاجتماع الاخير لدول حوض النيل لم يكن مفاجأة فمنذ اجتماعات الكونغو ومواقف دول المنبع واضحة اقتراحات مصر حول النقاط الثلاث الخلافية بين دول الحوض ودولتي المصب. و قوبلت برفض شديد النقاط الخلافية التي اعترضت عليها دول المنبع تتمثل في الحق التاريخي لمصر وفق اتفاقيتي1929 و1959, والاخطار المسبقة, وطريقة تعديل الاتفاق الإطاري. يري الدكتور هاني رسلان رئيس برنامج دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ان هذا التصرف في الحقيقة تصرف عدائي ويحمل اخطارا حقيقية علي مصالح مصر المائية وهذه الاخطار قد لاتنعكس آثارها بشكل مباشر وبالرغم من انه من غير المتوقع ان يحدث ضرر فعلي للحصة الحالية لمصر من المياه قبل عشرين عاما, فإن هذا التوقيع يفتح الباب لمخاطر مستقبلية واضحة تتمثل في بناء مشروعات تؤثر بالسلب علي حصة مصر حاليا من المياه, ويحرمها من فرصة العمل علي زيادة هذه الحصة مستقبليا, ولذلك يجب علي مصر ألا تنتظر حتي لاتفاجأ بالنتائج السلبية. وأضاف ان العقدين الماضيين شهدا حالة غياب لمصر في افريقيا والان بدأنا نلتفت للعودة مرة اخري ولكن سيحتاج ذلك الي بعض الوقت. ويوضح رسلان ان مصر سيكون لديها الحق في استخدام كل الوسائل المتاحة سواء كانت دبلوماسية او قانونية او غير ذلك لحماية مصالحها المائية التي تقع في قلب وصميم الامن القومي المصري, جاذبا الانتباه الي نقطة غاية في الاهمية هي انه من المتوقع انفصال جنوب السودان في دولة مستقلة في يناير المقبل. وبالتالي ستظهر دولة جديدة في حوض النيل وهذه الدولة عند التعامل معها لابد من الاخذ في الحسبان عدة اعتبارات من اهمها انها دولة معبر وليست دولة منابع, وانها لاتعتمد علي المياه في الزراعة, وانما تعتمد علي الامطار ففي بعض فصول السنة تستقط هناك الامطار بغزارة في فترة تتراوح بين ستة وثمانية اشهر. حصاد المطر من جهته, يؤكد الدكتور سامر المفتي الخبير في شئون البيئة والمياه والأمين العام السابق لمركز بحوث الصحراء انه بالرغم مما يثار حول حصة نهر النيل فإنها لاتمثل سوي4% فقط من إجمالي مايسقط من أمطار علي منابع نهر النيل الذي يعد اطول نهر في العالم وترتيبه العالمي في تصريف المياه رقم(28) في حين ان نهر الامازون ثاني اطول نهر في العالم وتصريفه المائي(6400) مليار مترمكعب مقارنة بدولة مثل الكونغو يبلغ نصيب الفرد فيها من المياه30 الف متر مكعب في العام بينما نجد في مصر حصة الفرد لاتتجاوز750 مترا مكعبا والفقر المائي الذي حددته الاممالمتحدة للفرد في العام(1000) متر مكعب من المياه شاملا احتياجاته من الزراعة والصناعة والخدمات والاستهلاك الشخصي. ويضيف المفتي ان مصر لديها الحق الكامل في المطالبة بزيادة حصتها من المياه ولكي تزيد يجب ان تكون هناك مشروعات لحصاد مياه الامطار وزيادة موارد النهر علي نحو مشروع قناة جونجلي الذي تدعمه مصر ولكنه متوقف بسبب الصراع في جنوب السودان. إطارات للحل من وجهة نظر الدكتور عماد الدين عدلي مؤسس المنتدي الدولي لمنظمات المجتمع المدني بحوض نهر النيل ورئيس المنتدي الوطني السابق فإن حل هذه الازمة يكمن في اطارين الاول: مد فرص الحوار واضعين في الاعتبار ان دول حوض النيل دول صديقة تربطها بمصر علاقات تاريخية طويلة لايستطيع ان يقلل من حجمها او يستهان به اي اختلاف في وجهات النظر مهما يكن فهم شركائنا ونهر النيل سيظل مصدر الخير ومنبع التنمية لآلآف السنين القادمة, اما الاطار الثاني فهو التوجه نحو الدبلوماسية الشعبية من خلال تشجيع مبادرات المجتمع المدني لإبراز الثقافة المصرية الافريقية, فقد آن الآوان ان تعود مصر لتملأ الفراغ الذي تركته في الآونة الاخيرة وبقوة. بينما يري الدكتور مغاوري دياب أستاذ المياه ورئيس جامعة المنوفية السابق ان حل الأزمة الآن غير ملح لأننا نتعامل مع موضوع لم ينشأ عنه ضرر حالي نتيجة هذا التوجه من دول حوض النيل, لانه لاول مرة في تاريخ دول منابع النيل يكون لهم هذا التوجه لذلك يجب ان يكون التفاوض مع هذه الدول فرديا لتفتيت هذه الجبهة, وفي حالة عدم التوصل لحل يمكن اللجوء للتحكيم الدولي علما بان الاتفاقيات الدولية جميعها تنص علي حق مصر والسودان التاريخي في هذا الشأن. ويدعو الدكتور ضياء الدين القوصي خبير المياه والري الي الاتجاه نحواستئناف المفاوضات علي اساس ماتوصل اليه المفاوضون السابقون لان نحو90% من النقاط تم الاتفاق عليها مع دول منابع النيل ولم يتبق سوي10% فقط محلا للتفاوض. وأوضح ان اتفاقية1959 الي أبرمت بين مصر والسودان, جاءت مكملة لإتفاقية عام1929 وليست لاغية لها, حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان في ظل المتغيرات الجديدة التي ظهرت علي الساحة آنذاك وهو الرغبة في إنشاء السد العالي ومشروعات اعالي النيل لزيادة ايراد النهر وإقامة عدد من الخزانات في أسوان.