أنا نموذج ناجح للتربية القومية السوفيتية, هكذا وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه في إحدي المرات, وأول قرار له عند توليه الحكم لأول مرة منذ12 عاما كان إعادة النشيد الوطني القديم ولكن بكلمات جديدة. والآن بعد أن ثبت أقدامه في السلطة مرة أخري بدأت تظهر لديه ميول حادة لإحياء تقاليد الاتحاد السوفيتي المنحل وحنين عارم للعهد الشيوعي, وذلك من خلال سلسلة من القرارات التي اتخذها مؤخرا. وإذا كانت الأجيال الحديثة تصدق أن ما أعلنه بوتين من قرارات ما هي إلا أفكار مبتكرة لتحفيز المواطنين واكتساب مزيد من الشعبية, إلا أن من يقاربون بوتين في العمر أي علي مشارف الستين أو يتعدونها يدركون تماما أن سلسلة الإجراءات التي أعلن عنها رئيسهم تباعا ما هي إلا إعادة تدوير لأفكار الاتحاد السوفيتي السابق. وأبرز الأفكار الحديثة- القديمة هي: تخصيص بوتين لمكافأة مالية مجزية للأمهات الولود معلنا أن الرقم الطبيعي لعدد الأطفال في الأسرة الروسية يجب أن يكون ثلاثة علي الأقل. وهذا الإعلان أعاد للأذهان الحلي المكتوب عليها الأم البطلة والمجد للأمهات, والتي كانت تزين صدور الأمهات اللاتي ينجبن سبعة من الأبناء في العهد السوفيتي. أما الفكرة الثانية فهي إعادة وسام بطل العمل, وهو أعلي وسام سوفيتي يمنح في وقت السلم وكان يمنح للعمال المجتهدين, وأعظم بطل عرف في العهد السوفيتي كان عامل المناجم أليكسي ستخانوف الذي تمكن من إخراج102 طن من الفحم في خمس ساعات و45 دقيقة وهذا يتجاوز مجهود14 عاملا مجتمعين. ومن أشهر من حصلوا علي هذا الوسام اثنان من الزعماء السوفيت السابقين وهما جوزيف ستالين وليونيد بريجينيف. والفكرة الثالثة التي أعادها بوتين للحياة هي تكوين وحدات رياضية خاصة داخل الجيش, وهذه الوحدات كانت في العهد السوفيتي طريقة فعالة للفوز بأكبر عدد من الميداليات في المسابقات الأوليمبية. والأبطال من بين هذه الوحدات يحصلون علي رتب عسكرية ومميزات للتدريب. كما حسم مؤخرا الجدل الدائر حول دفن جسد الزعيم السوفيتي السابق فلاديمير لينين المعروض في تابوت زجاجي داخل ضريحه بالميدان الأحمر وقال كما تحتفظ الكنائس برفات قديسيها يجب أن يبقي جسد لينين بجوار الكرملين( مقر الحكم منذ العهد السوفيتي وحتي الآن). وهذه الافكار تثير قلق الإدارة الأمريكية وتري أن حنين البعض في روسيا للأيام القديمة الجيدة خلال العهد السوفيتي قد تصبح بالنسبة للولايات المتحدة بمثابة العودة إلي الأيام القديمة السيئة. وحذرت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية من إعادة انتاج نموذج الاتحاد السوفيتي في المنطقة مرة أخري وأعربت عن قلقها ليس فقط من إعادة الأفكار السوفيتية القديمة ولكن من بعض السياسات الروسية. وأكثر شيء اثار حفيظتها هو تكوين المجموعة الاقتصادية الأورو آسيوية والتي تضم بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في اتحاد جمركي وهي: روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان إلي جانب محاولات مستميتة لإقناع أوكرانيا بالانضمام. وتري هيلاري أن هذا الاتحاد يعكس رغبة روسيا في ترسيخ الأسلوب السوفيتي في إحكام السيطرة علي الجمهوريات المنفصلة. وترصد الإدارة الأمريكية بعض الممارسات أيضا التي تعود للعهد السوفيتي مثل, غارات الفجر علي منازل المشتبه فيهم حتي في جرائم الرأي, وإحكام سيطرة الدولة علي الإعلام القومي والتحرش بزعماء المعارضة وإعادة معظم شركات الكهرباء إلي القطاع العام. كما يؤرق الإدارة الأمريكية بعض التصريحات التي تصدر من المقربين من بوتين مثل: لوكان الاتحاد السوفيتي مازال كتلة واحدة لكان تصدر قائمة الميداليات خلال أوليمبياد لندن بدلا من أن تحتل روسيا المركز الرابع بعد الولاياتالمتحدة والصين وبريطانيا. بسبب كل ما سبق تري الإدارة الأمريكية أن كل الدلائل تشير إلي أن بوتين وهو رئيس محتمل لروسيا حتي عام2024 يسعي جاهدا لتكوين امبراطورية سوفيتية جديدة ولا تستطيع أن تمحو من ذاكرتها تصريح بوتين الشهير: إن تفكك الاتحاد السوفيتي كان أكبر كارثة جغرافية سياسية في القرن العشرين.