تحقيق: علا الشافعي: تظل القضية الفلسطينية محور اهتمام كثير من المخرجين العرب, وجرح لا أحد يعرف حتي اليوم كيفية شفائه, فالفلسطينيون مازلوا يعانون من الانقسام, ويعيشون تحت وطأة احتلال لا يرحم, ولا تتوقف المحاولات الساعية للنيل من الحق الفلسطيني وطمس هوية تراب الأرض التي راحت علي أثر النكبة عام1948, وعلي الرغم من السعي الدءوب مرات بالتفاوض وأخري بالكفاح و رغم تبدل أشكال المقاومة إلا أننا مازلنا أمام عدو لا يعرف الرحمة, ومع ذلك فهناك شعب ينبض بالحياة و يرفض كل محاولات القمع والقهر, لأنهم يدركون أن هناك معني لتلك الحياة التي تعاش علي أرض يجب أن يتم استردادها. حول هذه المعاني جاءت الكثير من الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية وكيف يعيش أهل فلسطين تحت وطأة الاحتلال, سواء قدمها مخرجون عرب أو تلك الأفلام التي قدمها مخرجون فلسطينيون, وآخر' مملكة النمل' لمخرج الدراما المتميز شوقي الماجري والذي يأتي عرضه متزامنا مع حصول فلسطين علي عضوية مراقب في الأممالمتحدة بعد عناء ورفض من جانب واشنطن. المفروض أن كثير من مخرجي السينما تأتي أعمالهم علي نفس مستوي وطموح ما يحاول أهل فلسطين فعله علي أرض الواقع, وفي هذا الإطار انتظر جمهور مهرجان القاهرة أن يري فيلم المخرج التونسي شوقي الماجري والذي عرض في إطار المسابقة العربية والدولية للمهرجان بدورته ال35, وجاء مخيبا للآمال, خاصة أن الماجري يعد واحدا من أهم مخرجي الدراما العربية, وكان متوقعا أن يقدم بفيلمه' مملكة النمل' تجربة سينمائية متميزة في هذه اللحظات الفاصلة من عمر القضية. صحيح أن الماجري قام بعمل رصد حي للمعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني- إلي حد ما- من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي, وحملنا عبر متاهات الكهوف التي تحمل سحرا خاصا وتكشف أسرار تراب فلسطين لنشاهد قصة حب تجمع بين' طارق' منذر رياحنة, و'جليلة' صبا مبارك ويتمخض عنها إنجاب ابنهما' سالم' في غياهب السجون المظلمة, بعد أن عاشت' جليلة' مع زوجها المناضل والمطارد والمطلوب من قوات الاحتلال أقل من9 أشهر داخل أحد الكهوف قبل أن يدخل طارق السجن, ويعيش سالم مع والدته محروما من رؤية والده الذي ينشغل بالمقاومة ضد الإسرائيليين قبل أن يهرب. يشهد الطفل سالم اعتداء المروحيات العسكرية علي المدارس والشوارع والمقابر واستشهاد صديقه' محمد', ليأتي دوره في ما بعد في ساحة المسجد الاقصي أثناء ذهابه لصلاة العيد دون أن يعرف قصة تعارف أمه علي أبيه, ودون أن يكمل حكاية حلمه الذي أصبح فيه' ختيار', وحتي أن يري صورة أبيه الذي غاب12 عاما خلف القطبان. رغم كل المعاني النبيلة التي حاول مخرج الفيلم التركيز عليها ومعه كاتب السيناريو خالد الطريفي, ومنها التمسك بالتراب مهما كان الثمن ومهما دفع أهل فلسطين من دماء أبنائهم فلا يتزعزع إيمانهم في حق العودة, والتأكيد علي أن هذا الشعب يحاول العيش والحياة رغم الظروف القاسية إلا أن طموح المخرج ورغبته في تقديم فيلم عن القضية الفلسطينية جاء متواضعا للغاية, بل مخيبا للآمال قياسا إلي أعمال مخرجين مثل' إيليا سليمان' صاحب النصوص السينمائية البديعة والأكثر شاعرية في تاريخ السينما الفلسطينية, و'ميشيل خليفي' و'رشيد مشهرواي' و'هاني أبو أسعد', و'يسري نصرالله مع إلياس خوري' في فيلم' باب الشمس' بجزئيه, وكذلك' آن ماري جاسر, و'نجوي النجار', والحقيقة أن تجارب كل هؤلاء تؤكد أن شوقي لم يكن موفقا للغاية, في فيلمه, حيث جاء مكدسا' بالكليشهات' التي تجاوزتها السينما الفلسطينة, ويبدو بحكم خبرته الدرامية أنه انشغل أكثر بوضع رموز في العمل الفني أكثر من الشغل علي صياغة نص سينمائي متماسك, يحمل وجهة نظر مختلفة أو رؤية شاعرية عن القضية الفلسطينية علي الأقل, ولكنه- للأسف- انشغل بتفاصيل كثيرة بأسلوب المط والتطويل ليقدم كل أنواع القهر الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي, لدرجة أن المشهد الواحد كان يتضمن كافة أنواع الهجوم المسلح بالأسلحة الخفيفة والثقيلة والطيران في آن واحد, إضافة الي تكرار كثير من المشاهد بلامعني- وإن كان هذا علي مايبدو بسبب تأثير عمل شوقي بالدراما التليفزيونية, خاصة أن المشاهد التليفزيونية تقوم بالأساس علي فكرة التكثيف,أكثر من التكرار, مثال ذلك' مشهد القصف في المدرسة والمقابر' و'العرس أو الزفاف',' مشهد الحصان-8 لقطات مكررة'. لاشك أن ضعف النص وانشغال المخرج بحشد كل المعاني والرموز التي يرغب في حشدها سينمائيا جعلته ينشغل عن أداء الممثلين والذي جاء مبالغا فيه, بل أقرب إلي الأداء المسرحي, وتحديدا الفنانة صبا مبارك التي عرفت دوما بالأداء السلسل الناعم جدا في أعمالها السينمائية السابقة, فقد كانت تبالغ في ردة فعلها إلي حد التشنج, ونفس الملاحظة تبدو في أداء النجم عابد فهد رغم أنه واحد من أصحاب الأداء التمثيلي الرفيع. وملاحظة الأداء المتشنج تنسحب أيضا في كثير من المواقف علي النجم المتميز منذر رياحنة, والمفارقة أن قصة الحب التي من المفترض أن السيناريو قائم عليها جاءت باردة جدا وتاهت وسط الحشو الدرامي والمبالغات الفنية.