دينا عمارة : لم يعد العالم بحاجة إلي حشد الجيوش للدخول في أي حرب, لم يعد بحاجة إلي شراء أسلحة بالمليارات ودبابات من أحدث الطراز وحاملات طائرات علي أعلي مستوي لمواجهة أي خطر يعصف بالبلاد. كل ما تحتاجه اليوم أي دولة علي أعتاب الحرب هو شاشة كمبيوتر ولوحة مفاتيح وفأرة ومجموعة من القراصنة المحترفين لايتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة لتعلن حربا أشد وأعنف من الحرب العالمية الأولي والثانية, فالحرب الثالثة القادمة ستكون إلكترونية, لا اشتباكات, لاجبهات معلنة ولا أطرافا تتبني الهجمات, إنها حرب بلا اتفاقيات جنيف ولا قواعد اشتباك. ومع تطور هذه الحروب العنكبوتية بات العالم يعرف مصطلح قراصنة أنونيموس أو المجهولون, ولكن من هم هؤلاء المجهولون؟ وما هي أهدافهم؟ ومن يقف وراءهم؟ هل هم مجموعة من القراصنة الفوضويون علي الشبكة الدولية؟ أم أنهم بالفعل مناضلون من أجل الحرية والديمقراطية؟ بحسب موسوعة المعلومات الالكترونية ويكيبيديا فإن أنونيموس التي يعود تأسيسها إلي عام2003 تعمل علي تشجيع الثورات والعصيان المدني ضد الحكومات ونشر الفوضي في العالم, هي مجموعة نشطت بشكل ملحوظ في السنوات الثلاث الاخيرة بعدما حاصرت السلطات الأمريكية موقع ويكيليكس ووضع مؤسسه الاسترالي جوليان اسانج قيد الاقامة الجبرية في بريطانيا بانتظار صدور حكم بشأن ترحيله إلي السويد حيث يتوقع أن يحاكم في تهم اعتداء جنسي علي مواطنتين سويديتين. إلا أن أحدا لا يملك أي دليل علي علاقة مباشرة بين ويكيليكس و انونيموس, والسبب يعود بشكل كبير إلي الطريقة الغامضة والمحيرة التي يعمل بها هؤلاء القراصنة, حيث يؤكد الخبراء أن معظم أفراد المجموعة لا يعرف أحدهم الآخر, وكل ما يحركهم هو رغبة مشتركة في تحدي النظام العالمي والحكومات التي يعتبرونها مارقة ويدافعون بشراسة عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها ويهاجمون وسائل الاعلام ويسعون إلي تحرير عقول البشر من السخافات التي تبثها الفضائيات التليفزيونية. وبما أن المجموعة لا تملك هيكلا داخليا واضحا ولا رأسا معروفا لها, فقد أنهك هذا الأمر استخبارات الدول الكبري التي تعمل لكشف الأعضاء الرئيسيين فيها. حرية تداول المعلومات هي هدفهم وكشف الظلم غايتهم, مستشهدين بالفيلم البريطاني الشهير في فور فانديتا وبطله الذي كان هدفه التحرر من قيود الحكومات الظالمة مهما تكلف الأمر, لذلك تراهم يستخدمون قناعه الشهير في مقاطع الفيديو الخاصة بهم, إضافة إلي شعار المنظمة وهو عبارة عن رجل يرتدي بذلة ورباط عنق وتم استبدال مكان رأس الرجل بعلامة إستفهام, ومدلول هذا أن كل شخص ينتمي إلي المجموعة يفقد بذلك هويته الشخصية لتكون لديه هوية جديدة وهي هوية الكيان الذي ينتمي إليه, أما الكرة الأرضية فتشير إلي العولمة. القراصنة المجهولون موجودون في كل دولة, فهناك أنونيموس إيران وهو موقع تأسس عام2009 بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية لدعم الثورة الخضراء ضد النظام الإيراني, وتمكن من استقطاب نحو22 ألف مشترك رغم محاولات الحكومة الإيرانية مراقبة الإنترنت ومنع أي معلومات أو صور عن التظاهرات من الخروج إلي العالم, وهناك أيضا عملية روسيا واختراقها البريد الالكتروني للمقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونشر ما تحتويه من فضائح إعلامية, وكيف يصدر الكرملين أوامره لبعض المدونين والصحفيين التابعين له لمديح بوتين والإشادة بمزاياه بطريقة تخدع الشعب الروسي وتقنعه بأن بوتين هو الرجل الافضل في البلاد. كما كان ل أنونيموس دور كبير في ثورات الربيع العربي, وخاصة الثورة التونسية وقامت بهجمات علي مواقع الحكومة التونسية علي الانترنت, إلا أن العمليتين الكبريتين اللتين تضيفان لرصيد هذه المجموعة هي عملية سوريا التي استهدفت إزالة كل ما يتعلق بنظام بشار الأسد من الإنترنت, بعد أن زعمت إدارة الأسد أن إرهابيين هاجموا الشبكة والاتصالات داخل البلاد ما أدي إلي قطعها, لكن شركات تكنولوجية أمريكية أكدت أن النظام السوري يكذب وأن سلطات دمشق عزلت البلاد تماما عن الشبكة حيث لم يعد هناك أي موقع الكتروني للحكومة السورية أو للوزارات وحتي موقع الأسد وأيضا موقع وكالة الأنباء السورية( سانا). وكان رد أنونيموس أنه بينما يزيل الثوار نظام بشار الأسد من العالم الواقعي, أقل ما يمكننا فعله لمساعدتهم هو إزالته من العالم الافتراضي. وأوضح القراصنة أن العملية تأتي كرد علي قيام النظام البعثي في سوريا بقطع شبكة الإنترنت للتعتيم علي ما يجري في الداخل وإسكات المعارضين. لذا عندما تغلق حكومتك الانترنت قم فورا بإغلاقها هي. أما العملية الثانية والتي تسمي عملية إسرائيل قد جاءت كرد فعل للعمليات العسكرية الإسرائيلية علي قطاع غزة, فقام أنونيموس بقرصنة عدد من المواقع الحكومية الإسرائيلية من بينها موقع بنك القدس أحد أكبر المؤسسات المالية التابعة للاحتلال الإسرائيلي وحذف قاعدة البيانات الخاصة به, واختراق حسابات سيلفان شالوم نائب رئيس وزراء إسرائيل علي تويتر وفيسبوك ويوتيوب والمدونة الخاصة به وبريده الإلكتروني, كما تعرض موقع وزارة الخارجية الإسرائيلي للهجوم أيضا, وتم حذف قاعدة البيانات الخاصة به أو تخريبها بشكل جزئي, وكذلك قام القراصنة بنشر ملفات تحتوي علي أسماء كاملة وعناوين البريد الإلكتروني وكلمات المرور للعديد من مستخدمي المواقع الإسرائيلية, والتي تم استخراجها من قواعد البيانات المخترقة. كما قامت مجموعة أنونيموس بنشر قائمة بمعلومات خمسة آلاف موظف حكومي اسرائيلي تحتوي علي الأسماء الكاملة باللغة العبرية وعناوين سكنهم وأرقام هواتفهم وفاكساتهم, بالإضافة إلي عناوين بريدهم الإلكترونية.