أنا فتاة عمري32 عاما جميلة وملتزمة دينيا وأخلاقيا, وقد نشأت في أسرة معروفة بإحدي القري, لأب موظف وأم ربة بيت وثلاثة إخوة والجميع يشهدون لنا بالطيبة والكرم.. وعندما بدأت أعي ما حولي في الدنيا وجدتني زهرة العائلة.. الكل يحبونني ويتهافتون علي اصطحابي معهم في رحلاتهم أو جلساتهم, وتنبأوا لي بمستقبل باهر. ومرت الأيام والتحقت بالجامعة, فزاد انخراطي مع صديقاتي ومعارفي, ووجدت نظرات الإعجاب في وجوه من حولي, فكلهم يشيدون بي وبأخلاقي وجمالي, وراحت كل أسرة تعرض علي أسرتي أن أرتبط بابنها, ولم يكن لي رأي في ذلك, بل ولم يكن هذا الأمر يشغلني علي الإطلاق. لكن والدتي كانت ترفض فكرة الارتباط قبل أن انتهي من دراستي الجامعية. وحصلت علي شهادتي, وفكرت في البحث عن عمل, وظللت اتنقل من وظيفة إلي أخري حتي استقر بي الحال في عمل مرموق, وتكرر نفس السيناريو السابق من مسلسل العرسان الذين جاءوا يطلبونني للزواج, وتركت لي أسرتي حرية الاختيار لكني في الحقيقة لم أنجذب إلي أي منهم, وأحسست أن هناك شيئا يبعدني عنهم واحدا بعد الآخر, ولم اعبأ كثيرا بمسألة الزواج, وانغمست في العمل فنلت رضا رؤسائي وتحسن مركزي الاجتماعي, وفي غمرة العمل وجدتني معزولة عن كل من عرفتهم من قبل, فبعد أن كانوا يحرصون علي لقائي ويتفننون في ارضائي, إذا بهم ينفضون من حولي, ونادرا ما أسمع صوت أحدهم, ولا أدري هل مازالوا يحبونني كما كانوا أم لا, وهل شغلتهم الحياة عني؟.. وهل مازلت الزهرة الجميلة المتفتحة التي تسر الناظرين كما كنت اسمعهم يقولون عني هل زبلت هذه الزهرة بفعل عوامل الزمن؟.. ولعلك تستغرب من تساؤلاتي وحيرتي, ولكن اعذرني يا سيدي فلقد جرت في النهر مياه كثيرة طوال عشر سنوات.. واجهت خلالها أعاصير كثيرة بين الابتعاد عن أسرتي معظم الوقت, والتركيز في العمل, ونسيت حياتي الخاصة. ووسط هذه الأجواء عشت قصة حب جميلة كانت هي المخرج الوحيد لي من جميع ازماتي, فلقد تعرفت علي انسان رائع يتمتع بأخلاق عالية, وهادئ الطباع لا يعرف سوي العطاء ولا ينتظر مقابلا.. والحقيقة انني لمست في عينيه حبا صامتا, وكلما رأيته احسست كأنه امتلك نجمة من السماء, ووجدته منبهرا جدا بتفكيري وطموحي وإصراري علي التفوق, وكان يدفع بي دائما إلي الأمام ويحثني علي الجد والاجتهاد برغم ما كنت أمر به من معوقات كادت تهدد مستقبلي أبرزها بعدي عن أهلي وطول مسافة السفر من بلدتي إلي عملي يوميا. ولم يتركني لحظة واحدة فكان دائم السؤال عني برغم تعدد مسئولياته وكنت أراه مشغولا بي, ولم تكن تمر لحظات وإلا ويسأل عن أحوالي.. أين ذهبت؟.. وهل وصلت إلي بيتي أم لا؟.. أما إذا سمع خبرا سعيدا لي فأجد وجهه يتهلل فرحا, وأسمعه وهو يحمد الله. وهكذا أطمأننت له ووجدتني أسيرة حبه في زمن قصير من معرفتنا التي جاءت بمحض الصدفة, ولم يخترق قلبي أحد قبله, ولا يمكنني أن أفكر في احد سواه مهما اشتدت الصعوبات وبلغت المغريات. وجمال هذا الانسان في بساطته وعدم تكلفه, ولقد تقلد أحد المناصب القيادية, وكلما حاولت أن اتحدث معه في أمر زواجنا أجدني محرجة, وأنا لا أعرف شيئا عن حياته الخاصة, ولكنه في كل مرة أجلس معه فيها وأحاول فتح موضوع الارتباط يصمت ويحول دفة الحديث إلي موضوع آخر. بل إنه حاول إبعادي كثيرا عن التفكير في مسألة الارتباط, وحثني علي الموافقة كلما تقدم شاب للارتباط بي, وفي كل مرة كنت أبكي فيها أنهارا من الدموع وألمح الأسي والحزن في عينيه, لكنه يواصل الصمت ولا أدري ماذا أفعل كلما خطر علي بالي هذا التفكير المحير, وأجدني كالسفينة المحطمة المهددة بالغرق, وكثيرا ما يخالجني شعور بأنني لست في باله, وأن حبه لي قد فتر بل وأجده هذه الأيام غامضا في أشياء كثيرة,.. انني اعيش حالة من عدم التركيز, و لا أعلم إذا كان يحبني ولديه رغبة في الزواج مني أم طرأ علي حياته ما جعل هذا الزواج مستحيلا.. وفي كل الحالات بماذا تنصحني؟ ولكاتبة هذه الرسالة أقول: من ملك عاطفته, وحكم عقله ووزن الأشياء بميزانها الصحيح, وجعل لكل شئ قدرا, أبصر الحق وعرف الرشد ووصل إلي الحقيقة وعاش آمنا مطمئنا, فالعواطف غير المحسوبة تتعب صاحبها وتؤلمه وتضنيه وتؤرقه, بمعني ان الاخلاص في الحب لايعني أن يترك الانسان الحبل علي الغارب للطرف الآخر يفعل به ما يشاء دون حساب. وأنت أيتها الفتاة الناضجة تستطيعين كبح جماح حبك الجارف تجاه هذا الانسان علي حد تعبيرك الذي لم توضحي هل هو شاب في مثل سنك أم انه رجل يكبرك بسنوات كثيرة, واستحييت ان تذكري عددها فأشرت إليه بهذا الوصف.. أو لعله متزوج ولديه أسرة وأنت لاتعلمين؟. فالحقيقة أنني المح ذلك من بين سطور رسالتك حيث تقولين انه كان يدفعك إلي الموافقة كلما تقدم لك عريس لكن لم تستريحي لأي من المتقدمين لطلب يدك, بينما هو يؤكد حبه لك لكنه كلما فاتحته في الزواج يصمت ولا يتكلم, حتي أصبحت في حيرة من أمره.. هل يحبك أم لا؟ وهل سوف يتزوجك أم ان هناك ما يخفيه عنك ولايبوح اليك به؟. وكما قلت لك فان التحكم في العاطفة هو وحده السبيل إلي الراحة وطوق النجاة, فلا تعيشي في المثاليات بل عيشي واقعك.. وواجهي نفسك بالحقيقة, وبأن الصمت الرهيب الذي يغلف هذا الرجل ربما كانت وراءه اسرار خاصة به, ويخشي أن يظلمك معه, فالواضح أنه ليس أنانيا أو أنه يريدك لنفسه فيمتص رحيقك في فترة وجيزة ثم تتكشف حقائق في حياته كانت غائبة عنك وبعدها تجدين نفسك وحدك في مهب الريح بلا سند ولا معين. ولذلك ينبغي عليك أن تنفردي بنفسك مرات ومرات وأن تراجعي موقفك, وتحاولي تدبير أمورك بشرط أن تدعي الحزن, وأن ترضي بالقضاء, فالايمان يذهب الهموم ويزيل الغموم, وهو قرة عين الموحدين وسلوي العابدين.. وبه وحده سوف تجتازين هذه الأزمة التي عصفت بحياتك, وتكاد أن تفتك بك اذا أهملت علاجها, فمن تتصف بالأخلاق الحميدة والذوق السليم تسعد نفسها وتسعد الناس من حولها, فاذا كان أبناء عائلتك قد ابتعدوا عنك, فليس ذلك لعيب فيك, ولا لموقف اتخذوه ضدك, وإنما هي متاعب الحياة التي تجعل الانسان في هم دائم ومشاغل لاتنتهي. وأدعوك لإعادة مد جسور المياه ووصل ما انقطع بترتيب زيارات للأهل والصديقات واستعادة الذكريات الجميلة معهم فأنت مازلت زهرة في ريعان الشباب. وأنظري من الآن إلي الأمام, وفكري في المستقبل الباهر الذي ينتظرك, وكوني شخصية قوية تستطيع الصمود أمام الأنواء والأعاصير, وجددي الأمل في الحياة فهي لاتستحق منا العبوس والتذمر والتبرم, وإنما تحتاج دائما إلي العقل الناضج والشخصية المتزنة التي تعرف كيف تصرف أمورها. ويبقي أن أنصحك بحسم أمرك بعد أن تتبيني كل جوانب قصتك وتتضح لك الرؤية فيما اذا كان هذا الرجل يواجه متاعب ما يخفيها عنك أم لا, وعندئذ سوف تتخذين القرار المناسب للانطلاق في الحياة.