الإعاقات وآداب التعامل.. ندوة بجامعة حلوان    وزير الرى يتفقد "استراحة خزان أسوان" وحجر أساس ونموذج السد العالى    خفض سعر الفائدة الرئيسية في أستراليا للمرة الثانية خلال العام الحالي    انخفاض سعر الذهب اليوم الثلاثاء 20-5-2025 في مصر ببداية التعاملات    حملات مكثفة لتجميل ونظافة وكنس الشوارع ورفع القمامة بنطاق غرب المنصورة    وزير الاستثمار يلتقي مع كبرى الشركات الألمانية بالسفارة المصرية في برلين    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة- الإسكندرية».. الثلاثاء 20 مايو    ترامب يصف بوتين بالرجل اللطيف    وزير المالية الإسرائيلي: بن غفير مجرم ولا يجوز له تسريب معلومات    أول تعليق من سلوت بعد خسارة ليفربول أمام برايتون    مهمة محلية لمرموش.. مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء    ترتيب هدافي الدوري السعودي قبل مباريات اليوم الثلاثاء    الأرصاد: اضطراب الملاحة على البحر الأحمر حتى غدا الأربعاء    لطلاب الشهادة الإعدادية.. «تعليم القاهرة» تتيح نماذج استرشادية جديدة لامتحانات البوكليت في الهندسة «Math»    ضبط 12 طنًا و375 كجم من اللحوم ومصنعاتها غير الصالحة للاستهلاك بالدقهلية    إصابة 4 أشخاص فى مشاجرة بسبب الخلاف على أرض زراعية بسوهاج    غزة.. إصابة طفلين بالرصاص الحي خلال اقتحام الاحتلال بلدة الخضر    22 دولة تدعو إسرائيل إلى السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة    طريقة عمل كفتة الأرز، أسرع وأوفر بروتين حيواني لأسرتك    إطلاق قافلتين طبيتين ضمن مبادرة رئيس الجمهورية حياة كريمة    العريس جاهز وهتولع، مسلم يحتفل اليوم بزفافه على يارا تامر بعد عدة تأجيلات وانفصالات    رحيل "أم إبراهيم"... الدراما السورية تودّع فدوى محسن عن 84 عامًا    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    اجتماع مجلس إدارة النادي المصري مع محافظ بورسعيد لبحث استقالة كامل أبو علي    ياسمين صبري تكشف كواليس تعاونها مع كريم عبدالعزيز ب«المشروع X»    جماعة الحوثي: فرض "حظر بحري" على ميناء حيفا الإسرائيلي    «أبتاون 6 أكتوبر»: استثماراتنا تتجاوز 14 مليار جنيه وخطة لطرح 1200 وحدة سكنية    «أكبر خطيئة وتستلزم الاستغفار».. سعد الهلالي عن وصف القرآن ب الدستور    بعد ترشيح ميدو.. الزمالك يصرف النظر عن ضم نجم الأهلي السابق    ترامب يتساءل عن سبب عدم اكتشاف إصابة بايدن بالسرطان في وقت مبكر    شديدة العدوى.. البرازيل تُحقق في 6 بؤر تفش محتملة لإنفلونزا الطيور    فوائد البردقوش لصحة الطفل وتقوية المناعة والجهاز الهضمي    وزارة العمل تعلن توافر 5242 فُرص عمل في 8 محافظات    ماذا تفعل المرأة في حال حدوث عذر شرعي أثناء أداء مناسك الحج؟    منذ فجر الاثنين.. 126 شهيدا حصيلة القصف الإسرائيلي على غزة    "تيك توكر" شهيرة تتهم صانع محتوى بالاعتداء عليها فى الطالبية    5 أيام متواصلة.. موعد إجازة عيد الأضحى 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    مدرب وادي دجلة السابق: الأهلي الأفضل في إفريقيا وشرف لي تدريب الزمالك    المحكمة العليا الأمريكية تؤيد قرار ترامب بشأن ترحيل 350 ألف مهاجر فنزويلي    حريق مزرعة دواجن بالفيوم.. ونفوق 5000 كتكوت    مهرجان كان يعدل جدول أعماله بسبب دينزل واشنطن ويفاجئه بجائزة "السعفة الذهبية الفخرية" (فيديو)    تكريم طالبين بجامعة عين شمس لحصولهما على جائزة بمسابقة عمرانية    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    فضل حج بيت الله الحرام وما هو الحج المبرور؟.. الأزهر للفتوى يوضح    أحمد دياب: إيقاف النشاط أمر غير وارد    عاجل| عرض خليجي خرافي لضم إمام عاشور.. وهكذا رد الأهلي    4 قرارات عاجلة من النيابة بشأن بلاغ سرقة فيلا نوال الدجوي    حبس شاب متهم بالشروع في قتل آخر بالعياط    محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل ويشدد على سرعة الإنجاز (صور)    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل الأمانة المركزية للطاقة والتعدين    عليك إعادة تقييم أسلوبك.. برج الجدي اليوم 20 مايو    تامر أمين ينتقد وزير الثقافة لإغلاق 120 وحدة ثقافية: «ده إحنا في عرض مكتبة متر وكتاب»    أستاذ علاقات دولية: الاتفاق بين الهند وباكستان محفوف بالمخاطر    ما مصير إعلان اتصالات بعد شكوى الزمالك؟.. رئيس المجلس الأعلى للإعلام يوضح    سامي شاهين أمينا للحماية الاجتماعية بالجبهة الوطنية - (تفاصيل)    توريد 178 ألف طن من القمح المحلي في كفر الشيخ    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشكلات صغيرة في زحام مشكلات أكبر

قبل سبعة وعشرين عاما ذهبت مع صديق لي لتسليم نسخة من رسالة الدكتوراه إلي أحد أساتذة اللجنة المشكلة لفحص الرسالة والحكم عليها‏.‏ أوقف صديقي سيارته حيث انتهي الطريق الممهد بما كان يوما أسفلت وسيرا علي الأقدام أخذتنا الطرقات صعودا وهبوطا علي أرض تنحدر حينا وترتفع أحيانا لنحو عشرين دقيقة‏.‏ كان الأستاذ الجليل يسكن فيلا جميلة تحيط بها شوارع فسيحة ممهدة بغير رصف خالية من الزحام والسيارات‏.‏ فقد كانت بعيدة عن العمران في مدينة نصر‏.‏ ومرت ثماني سنوات كاملة‏.‏ أخذتني بعدها الأيام لزيارة صديقي في شقته الجديدة‏.‏ كانت المنطقة مزدحمة بالعمارات الشاهقة التي جعلت من الشوارع حولها حارات ضيقة وخانقة‏.‏ اشار صديقي إلي بيت صغير يتوسط الأبنية العملاقة وسألني‏:‏ منذ ثماني سنوات جئنا معا إلي هذا البيت فهل تذكره؟ لم تسعفني الذاكرة ولم اذكر أني جئت إلي هذا المكان من قبل‏.‏ إنها نفس الفيلا التي كانت بالأمس جميلة تحيط بها الشوارع الفسيحة والتي كانت بعيدة عن العمران‏.‏
وبعد ست سنوات أخري‏,‏ وعلي أطراف مدينة نصر نشأت منطقة جديدة جيدة التخطيط واسعة الشوارع قيل وقتها إن اقصي ارتفاع فيها لن يتجاوز ثلاثة أدوار‏.‏ وصدق البعض الادعاء الذي أطلقته إحدي شركات الإسكان التي كانت حكومية آنذاك لتسويق الأرض بين الراغبين في بناء منازل تجمع شمل الأسر وأبنائها‏.‏ في سنواتها الأولي تناثرت بعض العمارات ذات الطوابق الثلاثة حتي انتبه المقاولون وتجار الأراضي‏.‏ وفجأة سمح بارتفاع أربعة طوابق ثم خمسة ثم ستة طوابق‏.‏ وفي النهاية ظهرت الأحكام القضائية فأطلقت العنان للطوابق ترتفع حتي اثني عشر طابقا‏.‏ والويل لمن يتجرأ من ذوي الطوابق الثلاثة علي زيادة طابق واحد فهو بفعلته الشنعاء يعترض مسار الطائرات المدنية في هبوطها بأرض مطار القاهرة‏.‏ أصبحت المنطقة تشكيلة قبيحة من الارتفاعات ثلاثة وأربعة وخمسة وستة واثني عشر طابقا‏.‏
اثناء زيارتي لأحد اصدقائي الذين اشتروا الوهم من تلك الشركة الحكومية القديمة‏,‏ وشيد بناء يسكن فيه هو وابناؤه بعد زواجهم‏.‏ قطع الحديث صوت سارينة مطافئ لم تتوقف فخرجنا نستطلع الأمر‏.‏ كان سائق المطافئ يستجدي الناس أن يدلوه علي اسم الشارع الذي شب في إحدي عماراته حريق استدعي وجود سيارة المطافئ‏.‏ اجتهد الناس من حول فريق الإطفاء‏,‏ وكانت كل النصائح تشير إلي اتجاهات متعارضة تاركة الفريق في حيرة كاملة لا يدري أين يذهب‏.‏ كان صوت سارينة المطافئ قد أصاب الجميع بالتوتر والقلق الشديد‏.‏ أخيرا جاء الفرج من شاب يركب دراجة بخارية لحساب سلسلة مطاعم شهيرة‏.‏ لم يكن الشاب يعرف اسم الشارع ولكنه قال هناك حريق في رابع شارع من هنا‏.‏ ومضت سيارة الإطفاء لعلها تنقذ ما بقي من حريق كان قد اشتعل قبل ساعة ونصف الساعة علي الأقل‏.‏ كان من الواضح أن رجال المطافئ ليس لديهم أدني معرفة بشوارع المنطقة أو استخدام الخرائط‏.‏ وسألت صديقي عن أسماء الشوارع في حي لايقل سعر متر الأرض فيه عن سبعة آلاف جنيه ويصل في بعض الاحيان إلي ستة عشر ألفا‏.‏ ولا يقل ثمن الشقة الصغيرة فيه عن نصف مليون جنيه‏.‏ فقال يبدو أن تسمية الشوارع مهمة ثقيلة علي حي مدينة نصر وعلي محافظة القاهرة فأهملتها وتولي الأمر الأهالي‏.‏ فالشوارع هنا تحمل اسم من سكن المنطقة أولا أو أحد المقاولين من اصحاب الحفارات أو السماسرة أو البوابين‏.‏ والغريب أن تلك الأسماء وجدت طريقها إلي الخرائط ومواقع البحث عبر الأقمار الصناعية‏.‏ قلت لصديقي إن الشارع الذي تسكن فيه يحمل اسم علم من أعلام الشعر في الأدب المصري المعاصر‏.‏ ضحك طويلا‏,‏ وقال هذا مجرد تشابه في الأسماء‏.‏ فالشارع يحمل اسم رجل كان أول من سكنه‏,‏ ولحسن الحظ أنه مشابه لاسم علم من اعلام الأدب‏.‏ وتحدثنا طويلا عن فوضي أسماء الشوارع‏.‏ فمحافظة القاهرة التي ضنت علي الكثير من شوارع القاهرة بأسماء تميزها وتعرف بها‏,‏ كانت بالغة الكرم مع شوارع أخري فقسمت الشارع الواحد إلي اقسام‏,‏ لكل منها اسم منفصل‏.‏ مثل شارع الطيران‏,‏ وشارع مصطفي النحاس وذاكر حسين وغيرها‏.‏
مشكلة هذا الحي هي مشكلة مصرية تتكرر في كل مناطق مصر‏.‏ نما المجتمع المصري سريعا وتضاعف حجمه مرات ومرات ولكن قدرتنا علي إدارة هذا النمو ظلت كما كانت بالأمس‏.‏ نحن نستخدم نفس الأساليب التي كنا نتعامل بها مع مصر وهي‏20‏ مليون نسمة لنعالج مشكلات دولة تجاوز عدد سكانها الثمانين مليونا‏.‏ نتعامل مع القاهرة وكأنها مدينة الملايين الأربعة‏,‏ وهي الآن تأوي ستة عشر مليونا‏.‏ نقدر احتياجات الملايين بنفس الأساليب التي كنا نتبعها في تقدير احتياجات مئات الألوف‏.‏ لقد تغير من حولنا كل شيء إلا أساليب الحكم والإدارة وفهم الواقع المعاش‏.‏
قبل أربعين عاما كان عدد سكان مصر نصف العدد الحالي‏.‏ هكذا تقول الأرقام والإحصاءات‏.‏ وبالتالي فإن هذه الأرقام تشير إلي أننا اليوم نحتاج بتغير مستويات المعيشة إلي اضعاف وليس ضعف ما كنا نحتاج إليه قبل أربعين عاما من الطعام والمياه والكهرباء والصرف الصحي والشوارع والطرق والامتدادات العمرانية‏,‏ ونحتاج معها إلي تغيير هائل في أساليب إدارة تلك المرافق‏.‏ تضاعف كل شيء في حياتنا مرات ومرات‏.‏ تمددت المدن والقري ثلاثة اضعاف حجمها علي الأقل‏.‏ ازدحمت الشوارع بالمارة والسيارات اضعافا مضاعفة‏.‏ تزايدت أحمال الكهرباء وكميات مياه الشرب وناتج الصرف الصحي والنفايات الناتجة عن المنازل والمصانع‏.‏ ولكن قدرتنا علي التعامل مع هذه الزيادات لم تتطور بنفس المعدلات‏.‏
علي طريق الإسماعيلية محاولة متأخرة لفك اختناق مروري مزمن ساوي في سرعة الحركة بين الدواب والسيارات‏.‏ المحاولة هي كوبري ينقل حركة المرور بعيدا عن منطقة الاختناق‏.‏ بدأ العمل في هذا الكوبري قبل ثمانية أشهر‏.‏ وواقع الحال يشير إلي أن ثمانية أشهر أخري سوف تمر قبل أن تنتهي الشركة من أعمالها لتنهي عذاب مئات الألوف من مستخدمي الطريق يوميا‏.‏ موقع العمل لايشير إلي أي تغيير قد طرأ علي مفهوم الإنشاءات العامة ووسائل بنائها‏.‏ الموقع يبدو مترهلا مفككا لايوحي بشيء من اساليب العمل الحديثة‏.‏ الأتربة في كل مكان وأسياخ الحديد تطل برؤوسها علي ما بقي من الطريق‏,‏ ومعدات العمل منتشرة بغير نظام‏.‏ وفي معظم الأوقات يبدو الموقع خربا تخترقه سيارات الميني باص لاختصار الطريق‏.‏ موقع لايوحي بأساليب عمل قادرة علي الإنجاز السريع‏.‏
يبدو العقل الاجتماعي المصري أحيانا عاجزا عن استيعاب التغيرات الهائلة التي وقعت خلال العقود الأربعة الماضية في تركيبة المجتمع‏,‏ والعلاقات السائدة بين افراده وتجمعاته الفرعية‏.‏ هذا العجز أورثنا عجزا آخر في قراءة الواقع الاجتماعي والثقافي والاستجابة له‏.‏ والنتيجة هي أننا وقعنا اسري تصوراتنا القديمة عن مجتمع لم يعد له وجود‏.‏ تكاثرت علينا المشكلات فأقعدتنا عن البحث في حلول لمشكلات صغيرة لاتتطلب جهدا ولا معرفة معقدة‏,‏ ولكنها قادرة علي تسييرأمور حياة الناس بشكل أفضل‏.‏ ولكننا اعتدنا حين تظهر مشكلة أن نتجاهلها‏,‏ فلدينا من المشكلات ما هو أكبر وما هو أكثر‏.‏
المزيد من مقالات د‏.‏ حمدي حسن أبوالعينين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.