الأسباب التي أدت الي إقدام السلطة في بداية النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي علي ماسمي بتطوير النظام التعليمي الأزهري خاصة الجامعي لم تعد موجودة الآن, لذا فإن الباب أصبح مفتوحا لإعادة النظر في الأمر وتبني سياسات جديدة تتفق والظروف المعاصرة وبما يساعد علي رفع مستوي الأداء وبالتالي الخريجين وتصحيح ماشاب التجربة من أخطاء. ومن المعروف أن نظام التعليم العالي بالأزهر كان يعتمد علي ثلاث كليات هي الشريعة واللغة العربية وأصول الدين, وكان القبول بهذه الكليات مقصورا بشكل رئيسي علي خريجي المعاهد الثانوية الأزهرية بالإضافة الي الطلاب الوافدين, وكان الحاصلون علي الثانوية الأزهرية معدون تماما بالعلوم التي درسوها والقرآن الكريم الذي حفظوه واستوعبوه جيدا للالتحاق بهذه الكليات التي كانت تعمل علي صقلهم وتثقيفهم وزيادة معارفهم بصورة طيبة في مجال العلوم الدينية. ولكن ماجري من تطوير أدي الي إنشاء كليات مماثلة لما هو موجود بالجامعات الأخري, وبالتالي أصبح للأزهر جامعة تضم عددا هائلا من الكليات التي تنتشر في ربوع مصر. وقد فتحت هذه الكليات أبوابها أمام الحاصلين علي الثانوية العامة المدنية, وإن اشترطوا علي المتقدمين حفظ أجزاء من القرآن الكريم. وكان الهدف المعلن تخريج دفعات تجمع بين التعليمين الأزهري والمدني, وهو مالم يتحقق بالصورة التي تصورها بعض من ساندوا خطة التطوير. فالخريج من الجامعة الأزهرية لا يختلف في مستواه عن خريج الجامعات الأخري. ولا يمكن تصور أن حفظ مئات من آيات القرآن الكريم هو الطريق للجمع بين التعليمين المدني والديني. وإذا كان الخريج طبيبا, فهو مجرد طبيب وليس داعية وطبيبا, أو طبيبا وداعية, لأنه لم يؤهل بالمعارف والعلوم والثقافة التي تؤهله ليكون داعية. وبعد كل ما ظهر من عيوب الجمع بين التعليمين الديني والمدني, وتراجع مستوي حفظة القرآن الكريم, بالاضافة الي ضعف مستوي الخريجين بصفة عامة, وبعد فشل كل المؤسسات في إعداد دعاة علي مستوي جيد نتيجة عدم التركيز علي التعليم الديني مثلما كان يحدث في ظل وجود الكليات الثلاث الشريعة واللغة العربية وأصول الدين, أصبحت الظروف تقتضي اعادة النظر في الأمر ككل, وليس بخاف أن القضية مثارة منذ سنوات, ودارت من حولها حوارات علي ضوء دراسات شاملة وعميقة بين أهل الحكم والقرار. وإعادة النظر تعني أن تتخصص الجامعة الأزهرية في التعليم الديني والبحث في العلوم الدينية ومن يبحث عن استيعاب العلوم المدنية فإن الطريق مفتوح أمامه بعد الانتهاء من دراسة العلوم الدينية, سواء في مصر أو في الخارج. أي أن يعود الأزهر لدوره في أن يكون جامعا وجامعة للعلوم الاسلامية, في إطار السعي للحفاظ علي مكانته كمنارة للعالم الاسلامي, هذه المكانة التي اهتزت كثيرا خلال العقود الماضية. وليس بخاف أن هناك جامعات في دول البترول تسعي بكل قوة للحلول محل الأزهر مستندة في ذلك الي أموال البترول وعدد لا بأس به من علماء وأساتذة الأزهر. ومن المنطقي أن يدافع المسئولون عن التعليم الجامعي الأزهري عن استمرار بقاء الجامعة الأزهرية بكلياتها التي يقترب عددها من عدد كليات جامعتين مدنيتين أو أكثر, إما بدافع الخوف من التغيير أو الحرص علي المصالح المباشرة وغير المباشرة, أو لأسباب أيديولوجية ترتبط بفكر جماعات الاسلام السياسي, ولكن مثل هذا الاعتراض علي منطق التغيير الذي يستهدف الأفضل والأصلح والأنسب لا أعتقد أنه سيكون عقبة أمام صانع القرار إذا ما راعي حاضر ومستقبل المسئولين والأساتذة والطلاب, وتمسك دائما بالحرص علي مصالحهم وأوضاعهم الوظيفية أو التعليمية. ولكن هدف عودة الجامعة الأزهرية الي الاهتمام بالعلوم الدينية مثلما كان الأمر من قبل يظل هو الأولي بالرعاية. أما بالنسبة للكليات المدنية التابعة للجامعة الازهرية فمن المتصور ان تتبع جامعة مدنية جديدة أو أكثر أو ضمها الي الجامعات الموجودة. ويظل الأمل في خطة تطوير جادة للتعليم بكل مراحله لانتشاله من حالة الانهيار الكامل التي استقر في قاعها. *** رستم كيلاني وبدر أدهم: بكل جدارة استحق الاديب البارع رستم كيلاني مكانته كسفير لأهل الكلمة في عالم النقاء الملائكي برقته وانسانيته وروحه الشفيفة ونقائه. وخلال رحلته في عالم الكلمة, أبدع الاديب12 مجموعة قصصية تعد من عيون الابداع العربي برشاقة الاسلوب وعمق المضمون وغني الدلالات بجانب المعالجة العميقة للمشاعر والعلاقات الانسانية الفوارة التي يمتزج فيها الإيثار بالأثرة وصراعاتها الممتزجة يكينونتها بفهم ووعي وتعاطف. وهذه الموهبة الجميلة, جري صقلها علي مكث من خلال علاقة التلميذ بالاستاذ محمود تيمور احد الرواد الكبار في دنيا الابداع والكلمة. وقد عاش رستم كيلاني عارفا بفضل أستاذه وممتنا له وسالكا علي دربه مع نزعة منطقية للتفرد والاستقلال. رحم الله رستم كيلاني, ورحم معه صديقنا وابننا وزميلنا بدر ادهم مدير تحرير الاخبار الذي رحل من عالمنا بعد رحلة قصيرة مع المرض, واذا كان رستم قدوة في عالم الابداع والمبدعين, فان بدر ادهم قدوة يعتد بها في عالم الكلمة وبلاط صاحبة الجلالة خاصة للاجيال التي تتتلمذ علي يديه. والرجل كمتخصص في الشئون العربية تمكن بكفاءته وصلابته وحرفيته ومثابرته واستغراقه في العمل من الصعود الي القمة ولم يكتف بالقمة المهنية بل اضاف اليها قمة أخلاقية, حيث عاش شامخا ولم يعرف الانحناء ابدا امام المال أو السلطة, ولم يكن يعنيه ابدا ما يراه أو يعايشه أو يعلمه عن كثيرين, فلكل اسبابه واختياراته, وقد اختار ان يكون شامخا, وبهذا الشموخ وهذه الصلابة فرض علي الجميع احترامه. *** سينما الشيطان: ربما تكون المرة الأولي التي يتعرض فيها كاتب أو ناقد أو باحث لمكان ومكانة الشيطان في السينما والآداب والفنون مع معالجة لما ورد في اللغة والتراث الديني لا عن الشيطان فقط بل وللشر بصفة عامة. وقد أقدم علي هذه المحاولة الدكتور ناجي فوزي استاذ النقد السينمائي باكاديمية الفنون. ومع التسليم بكينونة الشر الكونية, التي يحتل الشيطان فيها كل فراغها دون ان ننسي ان الاديان السماوية ركزت علي دور الشيطان وسعيه لإبعاد البشر عن طريق الله. هذا الصراع بين الخير والشر شكل العمود الفقري لكل اعمال المبدعين, وفي السينما بدأت جحافل اهلها في طرق الابواب المختلفة لتقديم اعمال انتجها الخيال الانساني. وبالامكانات التكنولوجية استطاع الفن السينمائي أن يجوب افاقا رحبة لتجسيد الشر الانساني بصورة مدهشة. وباختصار يمكن القول إن الدكتور ناجي فوزي خاض تجربة جديدة تماما وهو يكتب عن الشيطان علي شاشة السينما العالمية بصفة عامة والمصرية بصفة خاصة. وكان منطقيا ان يتطرق الكاتب الي مسمي الملاك ليضعه في مقابلة ومقارنة مع الشيطان. وعبر246 صفحة, أبحر بنا الكاتب في هذا العالم, برشاقة وقدم لنا فيضا من المعلومات في بناء علمي وصياغة ادبية جيدة. المزيد من مقالات عبده مباشر