شريف الغمري عرف العالم عام2011 كعام الانتفاضات الشعبية من أجل الديمقراطية وإسقاط الحكام الديكتاتوريين والذي بدأ في تونس ثم مصر وأخذ ينتشر في المنطقة فيما عرف بالربيع العربي, لكن ما حدث في2011 لم تتوقف تأثيراته عند حدود المنطقة بل إنتشرت في كافة أنحاء العالم مما دفع الكتاب والمفكرين الذين تناولوا هذه الأحداث في مؤلفاتهم إلي وصف ما حدث في مصر وفي المنطقة بأنه جزء من تيار عالمي للتغيير الديمقراطي وسوف يمتد تأثيره إلي العالم كله. كثير من المؤلفات كتبت حول هذا الموضوع وكان أخرها كتاب بعنوان الديكتاتور يتعلم كيف ينحني في المعركة العالمية من أجل الديمقراطية من تأليف وليام دوبسون رئيس تحرير مجلة فورن افيرز الأمريكية, والذي قطع مسافة93 ألف ميل في رحلات حول العالم قابل خلالها عشرات الأشخاص من أنصار النظم الحاكمة ومن المعارضة لكي يخرج بدراسة ميدانية علي الطبيعة حول الوضع في الوقت الراهن بين الحكام الديكتاتوريين وبين الشعوب المكافحة من أجل الديمقراطية. ويقول المؤلف في كتابه أننا نشهد لحظة فارقة في حرب بين الحكام الديكتاتوريين وبين الديمقراطية التي تتمثل في موجات من الاحتجاجات التي اجتاحت سوريا واليمن وشهدت سقوط حكام طغاة مثل مبارك في مصر وبن علي في تونس والقذافي في ليبيا, وأن الربيع العربي يعتبر جبهة المواجهة الأخيرة في المعركة بين الحرية والقمع وهي المعركة التي تدور أيضا في عشرات من الدول الأخري في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية, وكل من الطرفين يستخدم قدراته وأدواته لتحقيق النصر في هذه المعركة. وقد تم خلال العامين الماضيين إزاحة حاكم ديكتاتور وراء الأخر من السلطة بخلاف من تعرضوا للقتل, وبدأت الديمقراطية مد جذورها القوية في بلاد مثل مصر وتونس وليبيا. وهناك من يتوقعون أن تكون إنتفاضات الربيع العربي جزءا من الموجة الرابعة للديمقراطية في العالم, وكانت الموجة الأولي لإنتشار الديمقراطية قد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية عام1945 في دول العالم, والثانية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام1991 وسقوط الأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية, أما الموجة الثالثة فقد بدأت بزيادة عدد الدول, خاصة في آسيا, التي طبقت الديمقراطية بعد النجاح الاقتصادي الذي حققته. وخلال الموجة الرابعة ومع زيادة الحركات الاحتجاجية في السنتين الأخيرتين, تزايدت وتيرة تبادل المعلومات والتقنيات بين الحركات وبدأت تتعلم من بعضها كيفية استخدام الأساليب المختلفة للتغلب علي أنظمة الحكم الديكتاتورية, وفي نفس الوقت فإن الأنظمة الديكتاتورية الباقية في الحكم أخذت هي الأخري تطور من أساليب تعاملها مع شعوبها بطريقة مخادعة لكي تبقي في الحكم ولا تتركه. ويعطي المؤلف أمثلة علي ذلك بما حدث من وجهة نظره في روسيا وفنزويلا والصين حيث دأب حكام هذه الأنظمة علي مغازلة شعوبهم باستخدام شعارات خادعة مثل الحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وحكم القانون في حين أنهم كانوا يحرصون علي إجراء الانتخابات بطريقة يستخدمون فيها سلطات الحكم ونفوذه لكي يضمنوا فوزهم في الانتخابات, وذلك بدلا من الطريقة القديمة القائمة علي التزوير, وهو الأسلوب الذي عرفته كثير من دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا عندما كانت صناديق الإنتخابات تجهز بعيدا عن أعين الناخبين وتملأ بتذاكر الانتخابات لكي ترفع من أعداد الأصوات لصالح الحاكم الديكتاتور. ونتيجة للسلوك الجديد الذي أصبح يتبعه الحكام من خلال شعاراتهم الخادعة فإن المؤلف أطلق عليهم وصف الديكتاتوريون المعاصرون, مشيرا إلي أن ما دفعهم إلي استخدام تلك الأساليب هو تغير الظروف الداخلية والدولية, فبعد أن كان أي حاكم ديكتاتور يستطيع أن يبقي في الحكم مستخدما العنف في ضرب معارضيه والمطالبين بالديمقراطية فقد أصبح العالم قرية صغيرة نتيجة وسائل التكنولوجيا الحديثة مما يجعل تصرفاته تنتقل إلي أنحاء العالم في نفس الوقت وبالصورة. ويقول المؤلف لو أن حاكما ديكتاتورا أصدر أوامره بقمع شعبه بالعنف حتي لو كان في منطقة منزوية وراء جبال الهمالايا فإنه يعرف أن ما يفعله سينتقل فورا إلي كافة أنحاء العالم, ولذلك بدأ يلجأ إلي تطوير أساليبه علي الرغم من استمراره في بطشه لشعبه, حيث أصبح الديكتاتور يستخدم القبضة الحديدية لكن بشكل جديد حاملا صحبة ورد وعلي وجهه ابتسامة واسعة.