أنا وعيت والتقيت حبي للنيل جارف.. أحب أشوفه بيجري في بحري ومن قبلي.. علي أرض الوادي الخصيب, وبين سيقان النخيل, ومن فوق ظهر الجبل.. أفتح عليه شباكي وآخذه في حضني, وأرتوي بشهد كوثره. ونسمة عابرة منه تحيي مواتي.. و..أسرحه بمشط الأصابع ساعة ما أميل عليه من فوق شراع العصاري, وموال الغرام يأخذني لبعيد هناك عند الحبيب الملاوع: بلد الحبايب بعيدة نوحي يا عين يا مين يجيب لي حبيبي وياخد من عيوني عين وياخد النص راخر ويكفاني بقية العين النيل فاض وغاض وأنا دمعي سال نهرين قسما وبالله وصوم العمر يلزمني ما فوت حبيبي ولو أعدم بقية العين النيل.. أحب أشوفه مرآة تعكس طلعة الشمس الصبوحة, وأوان غروبها السرمدي وهي بتلملم فستانها الذهب أبو ذيل رعاش بفعل خوف الموج من حلول آلام الفراق وعتمة قدوم الليل.. ينام الكل من حولي وعيوني لا يداعبها نوم في ليلة اكتمال البدر فوق سطح مرآة اللجين تعلوه قبة النجوم وتحيطه كوكبة حرس السماء: القطبي والزهراء وعطارد والمشتري, وفي الركن القصي البعيد يتلظي وحده زحل, فلا أنا ولا النيل ولا كافة نجوم السماء نبغي الدوران في فلكه.. و..يسألوني في غربتي عن النيل أقول لهم إنه رغم الحوادث لم يزل يجري متحملا لجراح عزته.. متذرعا بالحلم والصبر.. مترصدا للمحدقين به.. متحفزا للأخد بالثأر.. وأسألهم في غربتي: يا زارعين الود هو الود سجره جل ولا سواجي الوداد نزحت ولا ماها جل أيام بنشرب عسل وأيام بنشرب خل وأيام ننام ع الفراش وأيام ننام في الطل وأيام حكمت علي ولد الأصول ينذل و..أنا اللي نزلت في الصبح بدري وكان أوان صيف من عشرة الأندال يا جلبي لم بجالي كيف آه.. ياللي يجيب لي اللي ضاع مني وكيف واللي يحجزه عني لا جطع جتته بالسيف وآه.. يا نيل.. أجوم من النوم أجول يارب عدلها.. بلدي بتضيع من إيدينا ومش جادر أعدي لها, وإذا كترت النوتية يا نيل غرقت المركب!! وللأمانة يا نيل, مع وضع كافة الأمور في نصابها, وشهادة حق لا يراد بها باطل, إن الجماعة ولا شماتة ورثت تركة كان عينها منها من ثمانين سنة وأكثر, نامت عليها وفي بطنها بطيخة صيفي, ومن الفجر صحيت فاردة قلوع السيطرة والهيمنة والحلال والحرام لأجل تقسيم الغنائم علي الأعضاء وصنائعهم لقت روحها يا ولداه لابسة في الحيط بتركة مثقلة وملوثة ورائحتها تزكم الأنوف, مما أناخ علي كلكلها بها حتي غدي الكلكل مستهدفا علي جميع الأصعدة والميادين المعارضة, والمؤيدة في المبتدأ وبعد مدة علي قرار الإفراج غدت الأخري معارضة, ويبقي أي كتاتني يقابلني لما يقدر علي سبيل المثال يمنع بقع السولار والزيت والمازوت من الظهور الموسمي علي وش النيل وسباحتها براحتها رايح جاي تقرأ الفاتحة في قنا لسيدي القناوي, وترمي السلام لأبوالحجاج في طريق كباش الأقصر التي كشف عنها الستار محافظها السابق سمير فرج لينتزع عنوة من عمله العملاق لتظل بقية الكباش الأسطورية رهينة المحبسين الجور والجهل وتنزل سائحة في حرم فندق كتراكت أسوان, وترفع القبعة لقبر أغاخان في البر التاني, وتدور في رقصة بطيئة المنحنيات حول صخور الجنادل, وترمي العواف للأهل والخلان في البلينا ودار السلام, وتقفل في وشها محطات جراجوس وخزام والعياشية, أو تتسبب في قطع مياه الشرب بالبصيلية والشياخية والزوايدية والصعايدة في طريقها لقوص, مزمعة التوقف ساعة العصاري لمص عودين قصب سكر علي قناطر نجع حمادي, وبعدها لا شيء يعيق مسيرتها الملوثة لسوهاج.. بقعة سولار بقوة250 مترا طول وأكثر من6 أمتار عرضا لن يقف في طريقها الجهنمي الملوث لا ورد نيل, ولا مصاصة أسفنج, ولا ملاحظة وحدات مواجهة كوارث, ولا حزمة إجراءات احترازية, ولا تصريحات الأفاضل لدرء المشكلة: كله يجري علي قدم وساق.... وعلي رأي المثل الملهم عمر التشفيط ما يملا قرب.. النيل يا بوي بقي سداح مداح, وما جري اليوم تكرار لما حدث بالأمس, وبالذات في أجازات العيد, حيث تتكرر الحوادث بسبب انخفاض أو انعدام معدلات المرور اليومي للتفتيش, واستغلال المصانع للعطلات بإلقاء المخلفات في النيل, وعلي سبيل المثال في15 أكتوبر2010 ظهرت بقعة سولار مكونة من110 أطنان قادمة من صندل غارق بأسوان إلي مدينة أرمنت لتصل إلي محافظة الأقصر ومنها لقنا يحفها الخطر وتحيطها الأسماك نافقة, وعينك ما تشوف إلا النور.. وقبلها بيوم استضافت واجهة النيل بقعة كبيرة من المازوت الخام من محطة الفتح المركزية بمصنع سكر نجع حمادي أثناء تفريغ صندل نهري لحمولته مما أدي بعدها للكشف عن قيام البواخر السياحية والفنادق العائمة العاملة بين الأقصروأسوان بإلقاء9 آلاف متر من مخلفاتها يوميا في مياه النيل بجانب ألف لتر يوميا من الزيوت والشحوم, وأن عدد الفنادق العائمة والبواخر السياحية العاملة ما بين الأقصروأسوان تبلغ280 فندقا عائما وباخرة سياحية تصل مخلفاتها من الصرف الصحي والزيوت والشحوم إلي قرابة عشرة آلاف متر مكعب, مما يدعو إلي ضرورة وجود محطات رسو لتفريغ مخلفات تلك البواخر والفنادق بطول خط سير الرحلة, خاصة أن تلك المخلفات تلقي في باطن النيل بدون معالجة وتتسبب في تلوث مياه الشرب عندما تطفو قرب مآخذ محطات تنقية المياه بالمدن والقري, مثل ما تتعرض له مدينة الأقصر البائسة التي تنقطع عنها المياه لساعات طويلة بسبب الزيوت المتسربة من البواخر السياحية التي تطفو قرب لا مؤاخذة مآخذ مياهها وتسدها!.. ودائما أمام إصبع الاتهام ترتفع حدة الدفاع كما جاء في نفي رئيس مجلس إدارة شركة مصر إدفو لصناعة ورق الطباعة والكتابة للاتهام الموجه للمصنع بالتسبب في تسريب بقعة السولار مؤكدا أن سبب توجيه الاتهام أنه المصنع الوحيد الذي كان يعمل طوال فترة إجازة عيد الأضحي!.. ولولا الملامة لهمسنا له يقول ولا عليه الملام إنه المصنع الوحيد الذي ظل يعمل في بلادنا المشلولة مصانعها المكهنة مكنها المضربة بعمالها ومطالبها قبل وبعد وفي العيد وما بين الأعياد بطول البلاد وعرضها!! النيل المقدس الذي عده رسول الله صلي الله عليه وسلم من أنهار الدنيا فقال: أربعة أنهار من الجنة النيل والفرات وسيحان وجيحان, وفي رواية إنه لما رفع إلي سدرة المنتهي كان من وصفه: وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت ما هذا يا جبريل, قال: أما الباطنان فنهران في الجنة, وأما الظاهران فالنيل والفرات.. ويسأل معاوية بن أبي سفيان كعب الأحبار قائلا: هل نجد لهذا النيل خبرا في كتاب الله فيجيبه: أي والذي فلق البحر لموسي إني لأجده في كتاب الله يوحي إليه في كل عام مرتين, يوحي إليه عند جريه: أن الله يأمرك أن تجري, فيجري ما كتب الله له, ثم يوحي إليه بعد ذلك: يا نيل عد حميدا, ويذكر السيوطي أن نهرا ما لم يسم في القرآن سوي النيل في قوله تعالي: وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم, وقد أجمع المفسرون علي أن المراد باليم هنا هو نيل مصر.. وجاء في المقريزي في باب ذكر مقاييس النيل وزيادته أن بعض المفسرين قالوا: إن يوم وفاء النيل هو اليوم الذي وعد فرعون موسي عليه السلام بالاجتماع في قوله تعالي في سورة طه قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحي, وفي القرآن الكريم إقرار ضمني بجدارة النيل بالحفاوة بل بالفخر, إذ أطلق عليه لفظة الجمع الأنهار وأطلق عليه اسم البحر, وقد ذكر الله لفظة بحر في ثلاثة وثلاثين موضعا منها ثلاثة مواضع قصد بها النيل وهي قوله تعالي في سورة الكهف نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا, واتخذ سبيله في البحر عجبا, أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر.. كما أن القرآن الكريم صور النهر مسرحا لأحداث التاريخ ورسالات الأنبياء بما رواه من أخبار موسي والخضر علي صفحته أو في واديه, وصوره كشغل المصريين الشاغل من خلال حلم العزيز وتفسير يوسف له وما ترتب علي الحلم من أحداث السبع سنين السمان والعجاف التي تعد رمزا خالدا لمشاكل بيئة الري في مصر.. وما النيل إلا ماء والماء من أعظم النعم التي من الله بها علي البشر وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة, وقال تعالي أولم يروا أنا نسوق الماء إلي الأرض الجرز فنخرج منها زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون, وقوله تعالي: وجعلنا من الماء كل شيء حي فلا يؤمنون, والله خلق كل دابة من ماء.. وجعل الله الماء عنوانا للطهارة الحسية والتهيؤ للصلاة بالوضوء, وأمرنا باحترامه وعدم تلويثه, إذ نهي الرسول صلي الله عليه وسلم لا يبال في الراكد كي لا يغدو مستنقعا وموطنا للأوبئة, ونهي عن الإسراف في استعمال الماء, حتي ولو تعلق الأمر بالعبادة كالوضوء, فعندما مر بسعد رضي الله عنه وهو يتوضأ قال له: ما هذا السرف؟ فقال سعد: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم, وإن كنت علي نهر جار.. هذا وقد شرف النيل وجزيرة الروضة طائفة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وعددهم قارب الألف حلوا بمصر ومشوا فيها بأقدامهم المباركة مع الفتح الإسلامي, ومنهم من رجع إلي الحجاز, ومنهم من سكن أرض الكنانة, وجاء ذكرهم جميعا في كتاب در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة للإمام جلال الدين السيوطي منهم: الحارث بن العباس بن عبدالمطلب ابن عم رسول الله, وحاطب بن أبي بلتعة رسول النبي إلي المقوقس ورسول أبي بكر إليه, وماجد الصدفي الذي قرأ كتاب عمر بن الخطاب علي النيل عندما حل شهر بؤونة والنهر لا يجري وبدأ أهل مصر في التأهب للجلاء, فقال عمر للنيل أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر, وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار, وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالي أن يجريك, وجبر بن عبدالله القبطي وهو رسول المقوقس بمارية وأختها والهدية إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم, والزبير بن العوام, وسعد بن أبي وقاص, وعبدالله بن الزبير بن العوام, وعبدالرحمن بن العباس بن عمرو بن العاص, وعبدالرحمن بن أبي بكر الصديق, وعبدالرحمن بن العباس بن عبدالمطلب, وعبدالرحمن بن عمر بن الخطاب, وعقبة بن نافع, وعمار بن ياسر, وعمرو بن العاص, ومحمد بن أبي بكر الصديق, ومعاوية بن أبي سفيان, وأبو أيوب الأنصاري, وأبوالدرداء, وأبو ذر, وأبوهريرة.. وكان الإمام السيوطي قد وضع رسالته الجهر في منع البروز علي شاطئ النهر وسبب كتابته لها أن أحد أصحاب البيوت في جزيرة الروضة قد برز ببيته علي شاطئ النهر, فأصدر السيوطي فتواه ببطلان ذلك مستندا إلي آراء الأئمة الأربعة, وفقهاء المذاهب الشافعية, والمالكية والأحناف والحنابلة.... ولله درك يا سيوطي لو أنك تري الآن البنايات الشاهقة وقد احتلت قلب النهر نفسه بقرار من عل.. وعن أبي هريرة عن الرسول قوله: لو التمستم النيل لوجدتم فيه من ورق الجنة.. فماذا فعلنا بالنيل يا رسول الله!.. لم نلتمسه ولم نحترمه ولم نعطه حقه ولم نقدر قيمته ولم نشكر المولي علي نعمة مائه, فحق فينا قول عبدالله بن عمرو لليث بن سعد: إني لأعلم السنة التي تخرجون فيها من مصر. فسأله الليث: ما يخرجنا منها يا أباأحمد, أهو عدو؟ قال: لا, لكن يخرجكم منها نيلكم هذا, يغور من سوء تعاملكم معه ولا يبقي منه قطرة حتي يكون فيه الكثبان من الرمل, وتأكل سباع الأرض حيتانه.. وعن عقبة بن مسلم: إن الله يقول يوم القيامة لساكني مصر يعدد عليهم: ألم أسكنكم مصرا, فكنتم تشبعون من خبزها, وتروون من مائها؟, وعن وهبة بن منبه قوله: إن أسرع الأرضين خرابا البصرة ومصر, قيل: وما يخربهما وفيهما عيون الرجال والأموال؟ قال: يخرب البصرة القتل الأحمر, وأما مصر فإن نيلها ينضب, وعن الشيباني أنه قال: تهلك مصر غرقا أو حرقا.. وقال المسعودي: وقد كانت مصر في أول الزمان يركب أرضها ماء النيل بأسرها, ولم يزل الماء ينضب عن أرضها قليلا قليلا وتنضب الخضرة حين امتلأت أرض مصر بالعمائر!!! وقد أتي الباشا محمد علي عندما بدأ النيل يغور وينضب وتختفي الخضرة من علي وجه مصر التي بارت الأرض فيها, وانسدت الترع, وهجر المزارعون حقولهم من وطأة الضرائب والديون, وأصبح الخراب يبابا في حالة مستشرية تشهدها كافة المدن والقري منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر... أتي محمد علي فأينعت البلاد واستيقظت الأرض وتنفست القمائن ورددت الأبراج الهديل ودر اللبن في ضروع البقر ودار دولاب العمل.. أتي بجدية عمل لا بأحلام الكلام.. أتي ليقيم دعائم دولته الحديثة المستقرة مستنهضا النيل فكانت للمنشآت المائية النصيب الوافر في إعادة تعمير البلاد وتحديثها, فبلغت مباني القناطر في عهده488 ألف متر مكعب في الوجه البحري و47514 مترا مكعبا بمصر الوسطي والوجه القبلي, كما حفر وأعاد حفر126536647 مترا مكعبا من الترع, وفي هذا قول الجبرتي أنشأ مصر جديدة لم يكن لها وجود, استصلح فيها الأراضي الصالحة للزراعة وحدد بأي محصول تجود, وذهب علي سبيل المثال في عام1816 إلي وادي الطليمات عند بلبيس, حيث منطقة يغمرها الفيضان لفترة طويلة حتي استحالت زراعتها فصنع أكثر من ألف ساقية خشبية لتنقل لرؤوس الغيطان علي ظهور الجمال, وأمر الفلاحين المعدمين باستيطان المنطقة وجلب لهم خبراء في الزراعة من تركيا والشام, فأصبحت بعد عامين من أجود الأراضي الزراعية قاطبة.. ولأنه ولأنه ولأنه كان يباشر أعمال الحفر وتطهير الأراضي بنفسه تعانقت المآثر النيلية والزراعية والملاحية علي خريطة النهضة المصرية لتعزف ألحان ترع المحمودية والخطاطبة في البحيرة, والجعفرية والخضراوية بالغربية, والبوهية والمنصورية والشرقاوية بالدقهلية, والنعناعية والسرساوية والباجورية بالمنوفية, والمسلمية والصاوي وبحر الرمل وبردين ومصرف بلبيس بالشرقية, والزعفرانية والباسوسية والشرقاوية والقرطامية والبولاقية في القليوبية, وترعة البرانقة ببني سويف, والفشن بالمنيا, والمرعشلي بجرجا, والشنهورية والشال وبلاجيا بقنا وإسنا, ومن الجسور ياما.. الرقة في بني سويف, والطهنشاوي بالمنيا, وفاوكودية بأسيوط, والوادية والمنشأة بجرجا, وجسر فرشوط بقنا.. الخ.. الخ.. باشا.. حكمنا علي مدي ربع قرن خلانا كلنا بشاوات.. وغيره حكم ثلاثين سنة قامت له ثورة قالت له: مايحكمشي! في زمان قياس الفيضان في مقياس الروضة أيام ابن الأثير الذي زار مصر في عهد الخليفة المتوكل بالله العباسي عام861 م كتب يقول: النفس محلقة بمصر وكأني لم أقم بها شيئا يمتع نظري, ولا يذهب وعثاء سفري, كأنها شوقتني وما ذوقتني, وطالعتني ثم قاطعتني. ولقد شاهدت منها بلدا يشهد بفضله علي البلاد, من عجائبها موضع يقال له المقياس, وهو بناء تجاه الفسطاط, يعلم منه ميزان النيل والارتفاع والانحطاط, وبوسط هذا البناء عمود قسم أذرعا, وقسم كل ذراع منه أصبعا أصبعا, فإذا بلغ الماء ستة عشر ذراعا عند الازدياد, يستحق حينئذ الخراج علي جميع البلاد, وبظاهر مصر متنزهات كثيرة, كبركة الحبش وبركة الفيل, ومستنقعات ما يغادرها المد فتسمي متقطعات النيل, ولأهل مصر بهذه المستنقعات غرام واشتهار, ومفاخرة في تفضيلها علي غيرها من الديار, وهي لعمري حسنة المنظر, شبيهة بدراهم مبثوثة علي فراش أخضر.... أما آخر أنباء قياس منسوب ماء النيل فتأتي لنا وسط الغمام المحيط بأمل متواضع يقول: إنه قد تجاوز حد الأمان بارتفاعه أمام السد العالي إلي75 مترا و16 سنتيمترا بمحتوي مائي استراتيجي في بحيرة ناصر قدره122 مليار و132 مليون مترمكعب منها93 مليار مترمكعب تخزين يكفي احتياجات مصر لمدة عامين.. و..فيما يخص التنازع علي مياه النيل بين دول المنبع ودول المصب يذكر العالم إميل لودفيج في كتابه حياة مصر أن المجاعة ضربت أطنابها في مصر عام1106 فأوفد السلطان المملوكي البطريك القبطي إلي نجاشي الحبشة يحمل له الكثير من الهدايا والحلي الذهبية ورسالة ممهورة يتمني له فيها طول العمر وسطوة الحكم مما ترك أثرا بالغا في نفس الحبشي فقام وخرق سد بلاده الصغير ليعم الفيضان السودان صاعدا إلي مصر.. والآن بينما تجتمع اللجنة الثلاثية من مصر والسودان وأثيوبيا دوريا منذ عام لتسجل اللقطات التذكارية خلف الميكروفونات, يتم الاستمرار في إقامة سد النهضة في أثيوبيا منذ إبريل2011 تبعا للدراسات والتصميمات التي تمت في سرية تامة بعيدا عن مبادرة حوض النيل..وكانت أثيوبيا قد أعلنت خلال المبادرة منذ عشر سنوات أن اسم السد هو سد الحدود بسعة14 مليار مترمكعب, وفجأة وبدون مقدمات تم الإعلان عن إعادة تصميمه لتصل سعته إلي73 مليار مترمكعب لينتج5250 ميجاوات من الكهرباء تحت اسم جديد هو سد النهضة..و..وكم من لافتات فاعلة فينا ومفتعلة علينا هذه الأيام باسم النهضة! وحق قول بيرم التونسي فينا: عطشان يا صبايا عطشان يا مصريين عطشان والنيل في بلادنا متعكر مليان طين العطش يحرق قلوبنا, ويجفف الدماء في عروقنا ونحن المسئولون.. نحن الملزمون.. نحن المستفتون.. نحن المعنيون.. نحن المسئولون.. لأننا اكتفينا بالفرجة والشعارات معللين النفس بأن مصر محمية وماحدش بيبات فيها من غير عشاء.. نحن المسئولون لأننا شربنا جميعا من ماء النيل.. وما هو ماء ولكنه.. وريد الحياة وشريانها! المزيد من مقالات سناء البيسى