المشاورات التي تجريها اليوم بعثة صندوق النقد الدولي في القاهرة, ستكون بداية لانطلاقة جديدة للاقتصاد المصري, ليس فقط بسبب قرب الاتفاق علي إقراض الصندوق مصر8.4 مليار دولار, ولكن لعدة أسباب أخري أهم, وعلي رأس هذه الأسباب منح مزيد من الثقة الدولية في الاقتصاد المصري, ومن ثم فتح أبواب هذا الاقتصاد أمام الاستثمارات الخارجية, التي بدونها لا يمكن لأي اقتصاد أن ينطلق, ومعلوم أنه بمجرد التوصل إلي اتفاق مع الصندوق, فإن معني هذا أن الصندوق يقول لهؤلاء المستثمرين الأجانب, إن هذا الاقتصاد محترم, ويمكن التعامل معه. وهناك سبب ثان, لأهمية زيارة بعثة الصندوق, وهو دفع الحكومة المصرية نفسها إلي العمل بجدية لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي, الذي انتظرناه طويلا, إن خبراء الاقتصاد وأيضلا وزراء حكومة الدكتور قنديل ومستشاريهم يعرفون جيدا أن صندوق النقد ليس مؤسسة خيرية, بل هو مؤسسة اقتصادية تعمل حسب آليات الاقتصاد الفنية البحتة, ومن ثم فإن الصندوق لن يمنح الحكومة المصرية, ولا أي حكومة أخري, شهادة الثقة إلا إذا رأي إصلاحات اقتصادية حقيقية, تتمثل في خفض عجز الموازنة, وتقليل الاعتماد علي الاقتراض الداخلي, وإصلاح البنوك ومؤسسات المال, وكذلك ترشيد الدعم, بحيث يذهب فعلا لمن يستحقه, وليس للأثرياء الذين لا يحتاجون إليه. ثم إن ثمة سببا ثالثا لأهمية مشاورات بعثة الصندوق مع الحكومة المصرية, وهو الحصول من الصندوق علي تصوره ورؤيته لكيفية النهوض بالاقتصاد المصري, ونعرف جميعا أن الصندوق به مجموعة من الخبراء المتخصصين المطلعين علي أسرار وخفايا الاقتصادات في العالم كله, بما في ذلك الاقتصاد المصري, ولاشك أنهم سيبلغون المسئولين المصريين ورجال الأعمال, بالمشكلات الحقيقية للاقتصاد المصري, وكيفية حلها.. وطبعا فإن في روشتة الصندوق متاعب كبيرة, لكن الذي يريد العلاج عليه احتمال مرارة الدواء.. فهل سنحتمل؟