تمكنت بالأمس من حضور محاضرة للكاتب الشهير ناعوم تشومسكى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وسط زحام ووصخب شديد ومحاولات من شخص لم ينجح فى الدخول اعتصرته الحسرة والضيق ليقوم بصراخ ينفى أى قدر من الحضارة عن من يرغب فى سماع فيلسوف يتحدث عن الحضارة... إحساس مفعم بالإثارة أن تستمع لهذا الرجل الذى يمتلك شعبية جارفة فى منطقة الشرق الأوسط ويدفع كل هذا الحشد لملاقاته والإستماع بشغف إليه. سألت إحدى الحاضرات التى أصرت على الحضور وتمكنت بصعوبة من دخول القاعة، مالذى يدفعك لبذل كل هذا الجهد لحضور المحاضرة وقد كان بإمكانك أن تقرأي عنه أو تنتظرى المحاضرة على موقع "اليوتيوب"؟ قالت، هذا "ناعوم تشومسكى" إعجابى به بدأ منذ أن كان عالماً للغة، وهو مجال تخصصى، كان دوماً يبهرنى بنظرياته اللغوية، وحين تحول إلى السياسة أبهرنى من جديد بنظرياته السياسية وبكلامه المنطقى... حين دلف "تشومسكى" إلى القاعة وبدأ فى الحديث، تذكرت على الفور "بيلبو باجنز" عالم شعب "الهوبيت" فى الفيلم الشهير الذى يحمل عنوان "سيد الخواتم" هذا الفيلم الذى تتلخص فكرته فى محاولات سيد الظلام "سورون" السيطرة على العالم بعد حروب طويلة بين سكان العالم الأوسط والعوالم الأرضية وكيف أن هذا السيد المدعو "سورون" يبحث عن الخاتم الأخير الذى أخفاه "باجنز" طوال مئات السنين لكى يتمكن من إمتلاك القوة والسطوة ويستعيد ملكه ومجده... تحدث تشومسكى عن سيطرة الأمريكان على مصادر الطاقة واصرارهم على السيطرة على إقتصاد العالم ومواقفهم الحاسمة من أى دولة تحاول إمتلاك الطاقة النووية بل واعتبارهم أن خروج الصين والهند إلى مصاف الدول العظمى يعنى بالنسبة للولايات المتحدة فقد جزء من ممتلكاتهم واعتباره أن هذه هى أول العلامات علي انهيار الإمبراطورية الأمريكية.. وقال إن الولاياتالمتحدة لا تريد أن تري سياسات في الشرق الأوسط تعكس الرأي العام وتعبر عنه، وأن الديمقراطيات يجب أن تتوقف لأن ذلك يخيف الأمريكان، وقد ظهر ذلك واضحاً في دعمها لمبارك و بن علي في أيام الثورة وقبل ذلك حين فازت حماس في انتخابات ديمقراطية ونزيهة في قطاع غزة... وقال أيضاً إن سياسات الولاياتالمتحدة لم تكن لتتغير تجاه تلك الثورات إلا لأنها تحتاج نفط الشرق الأوسط، فهي تسعي نحو الهيمنة علي الشرق الأوسط، ليس للحصول علي النفط فحسب، فمواردها المحلية تكفيها، لكن الهدف هو الحصول علي مزيد من السيطرة والهيمنة علي النظام العالمي وكلام كثير و كثير. ما قاله تشومسكى مخيف لكنه غير مكتمل، صحيح أنه تحدث عن أطماع الأمريكان فى العالم كله ورغبتهم فى السيطرة على الشرق الأوسط لكنه لم يتطرق إلى مشكلة فلسطين بالمحاضرة وكنت أتمنى أن يفعل ذلك ليستمر الدعم لتلك القضية... خرجت من المحاضرة وأنا أفكر فى نتيجة ذلك الصراع على البشرية إذا استمر وأن "تشومسكى" يقدم نظريات لكنه لايقدم حلاً على الأقل فى هذه المحاضرة، ربما كان على أن أبدأ فى قراءة كتبه لأجد حلوله لتلك اللعبة العالمية، أو ربما أعيد مشاهدة فيلم "سيد الخواتم" لأتذكر كيف كانت خاتمته، لكن المشكلة فى الأفلام أنها لاتنتهى دائماً بما يحدث فى الواقع ذلك أن خيال المؤلفين يميل دوماً إلى انتصار الخير على الشر وهو ليس بالضرور مايحدث فى الحياة... ترى إلى أين يأخذنا مستقبل الربيع العربى، أبعيداً عن هيمنة الأمريكان والتحرر من تلك اللعبة، أم نخضع من جديد لقواعد اللعبة وتستمر الملحمة إلى أبد الآبدين... المزيد من مقالات أحمد محمود