يتم انتقاد الحكومة الحالية برئاسة الدكتور هشام قنديل والامر ينسحب علي كل الحكومات الانتقالية بعد الثورة بأنها لاتملك فلسفة اقتصادية مغايرة لما كان سائدا قبل الثورة.... ولما كانت السياسة الاقتصادية( مالية او ضريبية او انفاقية) تنبع من الفلسفة الاقتصادية القائمة فان رجل الشارع لايري أي تغيير ملموس في السياسات الاقتصادية الحالية مقارنة بالتي كانت سائدة في عهد المخلوع. ومن ثم فإن عملية المقارنة بين اقطاب حكومة رجال الاعمال( عز ورشيد والمغربي...) ورجال الاعمال البازغين( حسن مالك وخيرت الشاطر) قائمة علي قدم وساق. وبما إن السياسات في عهد المخلوع والتي تنبع من فلسفة اقتصادية قائمة علي اقصاديات السوق الحرة غير المقيد من الاسباب الحقيقية لتردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي ادت في النهاية الي قيام ثورة25 يناير, فإن بقاء الحال علي ما هو عليه( من وجهة نظر رجال الشارع) امر غير منطقي وبالطبع غير مرغوب فيه ولذا كان يتوقع من الحكومة الحالية ان تبين وتشرح وتفصح ببساطة عن فلسفتها الاقتصادية الجديدة التي يجب ان تكون مختلفة عن الفلسفة الاقتصادية في عهد المخلوع. ولكن احقاقا للحق فان الحكومة الحالية في مأزق فريد من نوعه( وليس خاصا بها وحدها وانما تقع فيه معظم دول العالم النامي الآن) اذ انه لاتوجد علي الساحة الاقتصادية حاليا فلسفة اقتصادية بديلة عن فلسفة اقتصاد السوق الحر الطاغية غير فلسفة النظام الاشتركي او الشيوعي والذي لم يستطع( بعد تحطم جدار برلين وتحول الاقتصاد الروسي وكل اقتصادات الكتلة الشرقية بما فيها الصين الي اشكال مختلفة من اقتصادات السوق) العودة مرة اخري الي الساحة الاقتصادية العملية وان يثبت نجاحات مماثلة لفترة بناء اقتصادات الكتلة الشرقية. هذا ومع ان نظام السوق الحرة وغير المقيدة قد اثبت فشله ليس فقط علي مستوي الدول النامية والناشئة بل ايضا علي مستوي الدول المتقدمة والناضجة. ومما يزيد الأمور تعقيدا للحكومة الحالية, التي لابد من الاعتراف بأنها تحاول أن تراعي البعد الديني في كثير من سياستها, أن هناك اغراءات بأن تقدم الاقتصاد الإسلامي علي أنه الفلسفة الاقتصادية البديلة.. ولكن الحساسية السياسة المحلية وعالميا تجعل هذا البديل صعب التطبيق في الوقت الحالي والأهم من ذلك أن هذا البديل لم يتبلور ويكتمل أيضا إلا في القطاع المصرفي متمثلا في البنوك الإسلامية كبديل أو مكمل للبنوك التقليدية والسندات التقليدية ومازال هناك الكثير من الغموض والجدل يكتتف ما هية الاقتصاد الإسلامي.. هل هو حقيقة اقتصاد سوق أم اقتصاد اشتراكي؟ ولذلك يجب علي الحكومة الحالية وعلي وجه السرعة ألا تلتفت الي المسميات والاطارات العالمية الخارجية وان تعمل علي اتباع سياسات اقتصادية تنبع من واقع الاقتصاد المصري.. وفي هذا الصدد اقترح كامثلة التالي: 1 ان السياسات الاقتصادية الخاصة بتشجيع الصادرات والنابعة من تقليد نماذج النمو في شرق آسيا قد اثبتت في مصر انها تعمل علي تركيز الثروة واستخدام طبقة صغيرة من المستفيدين ولذا يجب العمل ايضا علي تشجيع تصنيع المنتجات التي يتم استيرادها من الخارج وبخاصة التي تكون موادها الاساسية ومدخلاتها موجودة ومتوافرة.. وقد يتطلب هذا استيراد التكنولوجيا المتقدمة والتدريب في الدول المتعاونة اقتصاديا( مثل الصين وتركيا). ويحضر هنا كمثال الرخام كصناعة الذي تستورده الصين خام وتعيد تصديره, لمصر منتجا نهائيا بأضعاف الأثمان, الدخول في شراكة مع هذه الدول لاستقدام مثل هذه الصناعات امر مهم في هذه الحالات. 2 ان تتولي سياسات الاستثمار مبدأ التوزيع الجغرافي المعتدل اي اقامة الصناعات والمنشآت الجديدة بواسطة الدولة او القطاع الخاص في المناطق التي تزداد بها نسب البطالة ومعدلات الفقر. 3 أن تولي الدولة الرعاية لمبدأ المتوازن' يعني الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية المنتجة مثل الزراعية نفس الإهتمام الممنوح لقطاع التعدين والصناعة. بل أن الامتيازات التي يجب أن تعطي تشجيع الاستثمار الزراعي والريفي تكون أكثر وأعم من القطاعات الأخري لتعويض فترات الاهمال الكامل لهذا القطاع. 4- أن تهدف السياسات الاقتصادية للدولة إلي تخفيض الأعتماد علي الاقتصاد الريعي مقابل الاقتصاد الإنتاجي. ويجدر ذكر أن الاقتصاد الريعي الذي يتمثل في استغلال الموارد الناضبة( البترول والمعادن) والذي تتحكم فيه العوامل الخارجية( كإيرادات القناة تحويلات المهاجرين إيرادات السياحة الاستثمار الأجنبي المباشر) يمثل أكثر من60% من الموارد السيادية. هذه أمثلة لبعض السياسات الواجب اتباعها لتفادي مشاكل الاقتصاد الحر غير المقيد, وسواء كان دور الدولة أكبر أو أقل فإن هذا لا يهم الآن. وسواء تم تسمية هذه الفلسفة الاقتصادية حرة أشتراكية أو مجتمعية ومتوازنة ووسيطة, كما أقترح, فإن هذا أيضا لا يهم فالمهم هو العلاج السريع والناجع قبل أن يسفحل المرض أو يتطاير الشرر.