لم تعد الإعلانات الطبية التي تبثها العديد من الفضائيات وقفا علي الترويج للعلاج بالأعشاب, أو مراكز الخصوبة وعيادات أطباء النساء, وانتشار ظاهرة جديدة من الإعلانات . وإذا كانت نتائج الإحصاءات والدراسات السكانية الحديثة جاءت لتؤكد زيادة المواليد الإناث مقارنة بالذكور إلي نسبة قد تصل إلي3 أضعاف في بعض المولودين حديثا,فهل يبيح الشرع التدخل لتحديد جنس المواليد؟! الأطباء يؤكدون نجاح تلك التجارب, وفتاوي علماء الدين جاءت لتضفي المزيد من الجدل حول مدي مشروعية ذلك, وما بين فتاوي تحرم تغيير مشيئة وحكمة الله باختيار الذكور بدلا من الإناث في ظل التطور الطبي والعلمي الذي يبشر بإمكانية اختيار جنس المولود, جاءت فتاوي أخري تبيح اللجوء إلي مراكز وعيادات الأطباء لاختيار جنس المولود. دعاء الأنبياء يظل أمر جنس المولود المنتظر هو الشاغل الأهم للآباء لاعتبارات كثيرة بعضها تحكمها الطبيعة والفطرة البشرية والاعتقادات المتوارثة في أفضلية الذكور علي الإناث وبعضها تحكمه الاحتياجات الطبية التي تفرضها كثير من الأمراض المرتبطة بالجنين الذكري علي حدة أو الجنين الأنثوي. وتعد قضية اختيار جنس المولود من القضايا المستجدة في الفقه الإسلامي, والتي اختلف فيها آراء علماء الدين, فمنهم من رأي جواز ذلك ومن أبرزهم الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية, الذي يري أنه أمر مباح ويضيف: كون أن الإنسان ينشد مولودا معينا ذكرا أو أنثي فهذا من الأمور التي وردت الإشارة إليها في القرآن الكريم, مما يدل علي مشروعيته,فسيدنا زكريا دعا ربه في قوله تعالي: ذكر رحمة ربك عبده زكريا* إذ نادي ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا* يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا, فالولي لا يكون إلا من الذكور, وكانت أم السيدة مريم تتمني أن تلد ذكرا, يقول تعالي: فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثي والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثي وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم, فقد كانت تتمني ولدا للقيام علي دور العبادة, فالعرف في الأديان السابقة لم يكن يعطي المرأة الإمامة الدينية, وقوله تعالي أيضا لسيدنا إبراهيم: فبشرناه بغلام حليم, وكان سيدنا إبراهيم في هذا الوقت كان قد بلغ والدعاء بالأمر يدل علي مشروعيته, وإذا كان الدعاء ورد علي الأنبياء والصالحين في شرع من قبلنا, فهذا أكبر دليل علي أنه مشروع لنا. ويتفق معه في الرأي الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, فيقول إنه لا تحرمه الشريعة الإسلامية ويجوز اللجوء إلي تقنية اختيار جنس المولود إذا كانت هناك حاجة لذلك, مثل أن تكون هناك تشوهات وراثية تنتقل إلي أحد نوع الذرية الذكور أو الإناث وهذه التشوهات قد تؤدي إلي إنهاء حياته أو منعه من أن يعيش حياة سوية, أما الدكتور مبروك عطية, أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر, فله رأي مخالف لما سبق, ويقول: هذا الأمر أشبه بالخيال العلمي, واختيار ما في الأرحام خاص بذات الله سبحانه وتعالي, يقول عز وجل: ونقر في الأرحام ما نشاء, ويقول تعالي أيضا: لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور* أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير, كما يؤكد ضرورة التسليم والرضا بما يختاره الله تبارك وتعالي, فإن جاء ذكرا أو أنثي ونقوم بتربيتهم تربية دينية صحيحة لإقامة شعائر الله ونصرة الإسلام, مع الإيمان الكامل بأنه رب أنثي خير من ألف رجل. وقد قال المفسرون في قوله تعالي: وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما أن الله أبدلهما بأنثي كانت صالحة وولدت أبناء صالحين, فنحن لا ندري أيهما أقرب لنا, يقول تعالي: آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا, فالذي يسعي لذلك إنما لتحقيق شهوة فنجد من عنده إناثا يتمني ذكرا والعكس, والله أعلم بما في نفوسنا إن شاء حققه أو حقق الأفضل منه. ويطالب الدكتور مبروك عطية, بأن يبذل الإنسان مالا لعلاج إنسان عقيم أمر مشروع وطيب من أن نتدخل في نوع جنين يأتي بالفعل بإذن الله, أما غير ذلك فهو رفاهية والأصل: تداووا عباد الله, وأن نأخذ بالأسباب في أن ننجب.