علي رغم مرور39 عاما علي حرب اكتوبر1973 فإن أصداء الصدمة ومرارة الهزيمة مازالت تسيطر علي الإسرائيليين حتي أن البعض منهم يتحدث عن هزيمة تل أبيب وكأنها وقعت بالأمس فقط وهذا العام ثار الجدل حول من المسئول عن الهزيمة هل هم القادة السياسيون أم العسكريون؟ أخطاء جنرالات أم إخفاق سياسيين؟ أجمع غالبية الخبراء والمحللون في إسرائيل علي ان مسئولية الهزيمة تقع علي عاتق القيادة السياسية فالمعلق السياسي زئيف تساحور كتب يقول: ليست المفاجأة هي التي ضربتنا بل القيادة السياسية هي التي تسببت في الكارثة, أما الخبير الاستراتيجي عاموس جلبوع فيري أن كل النخب والقيادات الإسرائيلية منذ عام1967 عاشوا وهم التفوق كمجتمع غربي متقدم علي المجتمع العربي المتخلف. وكانت هذه هي نظرتهم للواقع وعندما انهار كل شئ دفعة واحدة كان الانكسار رهيبا وفظيعا.. ولجنة أجراينات التي تشكلت للبحث في أسباب الهزيمة وقالت في محاضرها ان الكارثة وقعت بسبب غفوة رئيس الموساد وحماقة رئيس المخابرات العسكرية يصفها البعض في إسرائيل بأنها لجنة سياسية عينها سياسيون ليصرفوا النيران عنهم في اتجاه القادة العسكريون وعلي اثر ذلك أصبحت دروس الكارثة كما يقولون محصورة في أخطاء الجنرالات لا في إخفاق الساسة. آبا إيبان وزير خارجية إسرائيل أثناء حرب اكتوبر73 وفي شهادته أمام لجنة أجراينات عن الاستعداد السياسي لهجوم مصري أو سوري قال ان التقدير السائد آنذاك كان أنه من غير المتوقع نشوب حرب في القريب وأضاف أن تقديرات المخابرات العسكرية أكدت ان احتمال حدوث هجوم عربي هو احتمال ضعيف واستشهد إيبان علي ذلك بما قاله قائد القيادة الشمالية اسحق حوفي من ان السبب الأساسي للحشود السورية التي كانت تتزايد يوما بعد يوم هو مخاوف السوريين من هجوم إسرائيليمفاجيء. وأضاف إيبان انه بالنسبة للجانب المصري فقد كان هناك تدريب للجيش وكان متوقع أن ينتهي في7 اكتوبر73, أيضا وكما يقول إيبان فإن تقديرات المخابرات الأمريكية التي أعلنها الجنرال برانت سكوكروفت مساعد وزير الخارجية هنري كيسينجر كانت متطابقة مع تقديرات الجانب الإسرائيلي أما عن تقديرات وزارته أي الخارجية فقال إيبان ان كل المؤشرات كانت تري أن مصر لا تعتزم شن أي حرب وخلال شهادته التي استمرت عدة ساعات سأل قاضي لجنة أجرينات إيبان عن رأيه في أداء المخابرات العسكرية فقال انهم كعسكريين يضعون تقديرات علي المدي القريب فهم يستندون إلي ما هو موجود علي الأرض فيقومون بإحصاء المعدات والتجهيزات العسكرية ويقيمون قدرة القوات العسكرية التي تقف مقابل بعضها بعضا وحينما سأل القاضي إيبان إن كان راضيا عن العلاقة بين المخابرات العسكرية والقيادة السياسية المتمثلة في جولدا مائير في ذلك الوقت أجاب بلا وبالفعل كانت العلاقة بين الجانبين يشوبها التوتر وهذا ما كشفت عنه تحقيقات لجنة أجرينات التي أكدت أن وزير الدفاع في ذلك الوقت موشيه ديان لم يمكن رئيسة الوزراء جولدا مائير من الاتصال مباشرة مع المخابرات العسكرية فكان يكفيها كما يقول أن جهازي الموساد والشاباك خاضعان لها أما المخابرات العسكرية فتابعة لرئيس الأركان ووزير الدفاع, أيضا في الفترة التي سبقت حرب اكتوبر كانت هناك صراعات تتم في الخفاء بين قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين فجولدا مائير كانت تستشير اثنين فقط هما وزيرالدفاع موشيه ديان والوزير بدون حقيبة يسرائيل جاليلي أما رئيس هيئة أركان الجيش ديفيد العازار ورئيس المخابرات العسكرية إيلي زعيرا ورئيس الموساد تسفي زامير فلم يكونوا يعلموا ماذا يدور بين جولدا وكل من ديان وجاليلي, وفي كتابه1973 الطريق إلي الحرب الذي صدر أخيرا يقول الدكتور يجال كيبنيس ان الضباط كانت تنقصهم معلومات حاسمة بدونها لم يكن باستطاعتهم تنفيذ مهامهم, كما ينبغي بالرغم من أن تقرير لجنة أجراينات ألقي بالمسئولية عن الهزيمة علي مسئولي هيئة الأركان والمخابرات العسكرية وقائد المنطقة الجنوبية شموئيل جوروديتش وايجاد انطباع بأن جولدا وديان كانا ضحيتين لضباط الجيش إلا أن الوثائق التي ظهرت أخيرا ترسم صورة مغايرة وتثبت أن القادة السياسيين هم الذين ظلموا العسكريين فسبب الكارثة التي حلت بإسرائيل في اكتوبر73 هو التقصير السياسي يأتي بعده التقصير العسكري ثم التقصير المخابراتي فالسادات كما يقول المحللون في إسرائيل شن الحرب من أجل هدف سياسي وكان هذا الهدف معروفا لرئيسة الوزراء ويقول الدكتور يجال كيبنيس ان وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسينجر حذر حكومة إسرائيل قبل الحرب ببضعة أشهر من أنها إذا رفضت اقتراح السلام الذي عرضه السادات فإن مصر ستبدأ حربا ولم يكن هذا التحذير جديدا فقد نقل اقتراح السادات للسلام إلي إسرائيل في1971 علي يد وزير الخارجية الأمريكية أنذاك روجرز الذي ألح علي جولدا مائير بأن تستجيب له وحينما فشل لجأ إلي بن جوريون ليستخدم تأثيره عليها وحذرها بن جوريون من ان رفض عرض السادات لن يترك له أي إمكانية أخري سوي الحرب لكنها أصمت اذنيها ولم تستجب فكانت هزيمتها المروعة في.1973 عقدة بيرل هاربر حجة لحروبها الاستباقية بيرل هاربر الإسرائيلية أو بتعبير أدق هزيمة37 هي العقدة التي جعلت اسرائيل تترقب بهلع متزايد احتمال وقوع أي هجوم مفاجئ عليها وتلوح عند أي عمل عسكري تقوم به أنه ليس سوي هجوما وقائيا تفاديا لشبح حرب' يوم الغفران' الذي سيطارد قادتها العسكريين للأبد. اليقظة المطلقة, هي الهاجس الذي يسيطر علي القادة الإسرائيليين منذ حرب73, وهي المقولة التي رددها وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك منذ أيام في استرجاع إسرائيل للذكري المريرة, قال: علينا ألا نقع اسري للأوهام والأمنيات,'عند الامتحان لا تستطيع إسرائيل أن تعتمد سوي علي نفسها, انه أمر واضح حتي بعد39 عاما من حرب أكتوبر'. في العقيدة العسكرية الإسرائيلية, هناك نوعان من الحروب, حروب اختيارية وحروب إجبارية, كان عدوانها الغاشم في حرب1967 فيما أسمته حرب الأيام الستة, حربا اختيارية, أرادت بها أن تضع نفسها علي الخريطة العالمية بوصفها قوة عسكرية لا تقهر في منطقة الشرق الأوسط, وبدعم من الولاياتالمتحدة تمكنت من تحقيق ما طمحت إليه, وشهد المجتمع الإسرائيلي بداية عهد حماسي هيمن عليه الكثير من الغرور, عاش الإسرائيليون نشوة الدولة العبرية التي لا تقهر, ونظروا باستعلاء شديد تجاه الجيران من حولهم. في كتاب المفكر الأمريكي, ريتشارد بوسنر' منع الهجمات المفاجئة' يستعرض كيف أن إسرائيل كانت مثل النعامة في إنكارها وجود تهديد من الجانب المصري, وكيف أن غرور قادتها العسكريين جعلهم يدفنون رءؤسهم في الرمال بدلا من الاعتراف بان مصر قادرة علي هزيمتهم, لقد تصوروا كما تصور الأمريكيون من قبل في بيرل هاربر أن أعدائهم اضعف من مهاجماتهم, إلي أن جاء الهجوم الياباني المباغت علي القاعدة البحرية الأمريكية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي في ديسمبر1941 والذي خسرت الولاياتالمتحدة بسببه الكثير من ترسانتها العسكرية وقتل فيه أكثر من2500 أمريكي, ثم دفعها في النهاية إلي دخول الحرب العالمية الثانية التي تجنبت الدخول فيها لوقت طويل. وبما أن الحسابات العسكرية هي فن وليست علما, فما قد اعتبرته القادة في إسرائيل مستحيل أو جنون بدا منطقيا للغاية للقادة في مصر, فقبل الهجوم المفاجئ ضد إسرائيل في السادس من أكتوبر1973, اعتقد الخبراء والجنرالات الإسرائيليون أن مصر اضعف من أن تخوض حربا ضد الدولة العبرية, حتي كان النصر المجيد, وقتها ألقي اللوم في الفشل الذريع الذي منيت به إسرائيل علي المركزية المفرطة في الاستخبارات الإسرائيلية, التي منعتها من توقع هجوم مفاجئ, ورفضوا الاستعداد لمواجهته. ووفقا لما كشف عنه أخيرا من وثائق سرية, قال كسينجر خلال جلسة مغلقة في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي نيكسون, إن إسرائيل كانت قد تصورت أن أي مواجهة مع العرب ستكون تكرارا لما حدث في حرب1967 وهو أمر لم يحدث, فقد أظهرت حرب73 أن التكتيكات العسكرية الإسرائيلية قد عفا عليها الزمن, وأنها لم تعد قادرة علي تحقيق انتصارات عسكرية كتلك التي حققتها في.67 خداع الذات الذي مارسته إسرائيل مع نفسها قبل حرب73, وعقدة بيرل هاربر الخاصة بها, هي حجتها الآن أمام أي حرب إستباقية تشنها أو تنوي شنها مستقبلا, انه ما يؤكده خبراؤها انه قد غير وللأبد عقيدتها العسكرية, خاصة الآن فيما يتعلق بالتهديدات المتبادلة بينها وبين إيران, حيث تروج جماعات الضغط الإسرائيلية داخل أروقة واشنطن, أن من حقها ألا تعرض نفسها لهجوم مفاجئ جديد, وكان عدد من الأكاديميين الإسرائيليين قد أكدوا خلال منتدي( كيفية بناء تنسيق بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل لمنع حدوث هجوم نووي إيراني' والذي عقد أخيرا, انه يجب علي الجانبين استرجاع بيرل هاربر ما تسمية مأساة73, لشن حربا استباقية ضد إيران, مؤكدة أنها لن تحتمل فكرة ماذا لو تعرضت لهجوم مباغت حيث أنها لا تملك رفاهية, تكرار الأخطاء نفشها, وفي نهاية المطاف من المؤكد أن تلك' المأساة العسكرية' هي التي ستستمر في دفع صناع السياسية في إسرائيل إلي اتخاذ جميع الضمانات لبقاء الدولة الصهيونية علي الأقل ل39 عاما مقبلة.