خالد السرجاني : في شارع طلعت حرب بوسط القاهرة توجد عمارة تاريخية هي عمارة أبو رجيلة, وفي هذه العمارة هناك مكتب يطلق عليه اسم إدارة الرقابة علي المطبوعات الخارجية, لا نعلم إن كان تابعا لوزارة الإعلام أم انه تابع لوزارة الداخلية, وفي احد المرات عند تعاملي مع احد الموظفين العاملين فيه قال أنهم يعملون بالتنسيق بين الوزارتين. والمكتب يعمل بقانون صدر في عصر الاحتلال الانجليزي, والعاملون فيه لهم سلطات مطلقة علي عقول المصريين, ونحن لا نعلم ما هي المؤهلات التي حصلوا عليهما وتعطي لهم هذه السلطة المطلقة علي عقولنا, خاصة وان قراراتهم غير قابلة للطعن سواء لدي جهة إدارية اعلي أم أمام القضاء الادراي لان قراراتهم تصدر شفوية وغير مكتوبة ولا تعطي منها نسخا للمتعاملين مع الإدارة من الذين يستوردون الكتب لكي يبدأوا إجراءات التقاضي. والجديد في هذة الإدارة أنها توحشت في مرحلة ما بعد ثورة25 يناير, والعاملون فيها لا يعرفون أن الرقابة من حيث المبدأ أصبحت أمرا خارج التاريخ, بسبب الثورة التكنولوجية وانتشار الكتب التي يمكن تحميلها عبر شبكة الانترنت, فضلا عن ذلك فالمرء يستطيع من دون عناء التكهن بان غياب الدولة في الشهور الماضية أدي إلي غياب مسئول ما يعطي تعليمات للعاملين في المكتب بمصادرة كتاب أو الكتب التي تتناول موضوع بعينه, بما يعني ان هؤلاء كانوا متربصين بالثقافة, وعندما سنحت لهم الفرصة مارسوا هوايتهم أو رغبتهم في مصادرتها. ففي الأسابيع القليلة الماضية صادرت هذة الإدارة كتبا كانت مطروحة في السوق المصرية منذ عشرات السنين ونذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر كتاب النبي من تأليف جبران خليل جبران وهو ينتمي إلي التراث الانساني ويدرس في جامعات ومدارس أمريكية وأوروبية وله طبعات مصرية عديدة تباع في السوق المصرية, أشهرها طبعة دار الشروق من ترجمة وزير الثقافة الأسبق ثروت عكاشة. الطبعة المصادرة من منشورات الجمل ببيروت ومن ترجمة سركون بولص. إضافة إلي النبي هناك كتب وروايات يتم تدولها في السوق المصرية ويبدو أن اختلاف ذائقيه العاملين في الإدارة بعضهم عن بعض تسمح بدخول كتب عبر موافقة موظف وتمنع بعد ذلك عبر موظف آخر مع انه من المفروض أن تكون لدي الإدارة قاعدة بيانات يمكن من خلالها أن تعرف الكتب التي دخلت من قبل فيسمح بتداولها تلقائيا بدلا من العمل بنظام المنفلة الذي عفي عليه الزمن. وأمثلة علي هذه الكتب: رواية الحياة في مكان آخر لميلان كونديرا, ورواية الأوغاد يضحكون لعبده خال, ورواية بادية الظلمات وهي الجزء الرابع من ملحمة عبد الرحمن منيف مدن الملح, وهذه هي الأغلال وهو كتاب للمفكر السعودي الراحل عبد الرحمن القصيمي, وهو كتاب في نقد الاستبداد, ورواية لوليتا لفلاديمير نابوكوف, وزوربا لنيكوس كازانتزاكيس وكتاب نقيض المسيح لنيتشه هو كتاب فلسفي يباع في القاهرة تحت عنوان آخر عبر ناشر آخر وهو عدو المسيح والأمثلة كثيرة ولا حصر لها. ولكن الطريف ان الرقيب صادر مؤخرا كتابا عنوانه الحجاب وهو من منشورات دار نشر سعودية اسمها طوي والمكتبة التي استوردت الكتاب لا تعلم إن كان كتابا أم رواية. والمشكلة في عمل هذة الإدارة إضافة بالطبع إلي تقادم القانون التي تعمل به هو أن قرارات موظفيها شفوية وغير قابلة للطعن أمام جهة إدارية آو قضائية عليا, ونحن لا نعلم ما هي المؤهلات المتوفرة في هؤلاء الموظفين بما تسمح لهم بان يختاروا لنا ما نقرأ وما لا نقرأ, ولا نعرف هل هم موظفين في وزارة الإعلام آم الداخلية وهل هناك لوائح مكتوبة أو غير مكتوبة يعملون وفقا لها أم لا ؟ وفضلا عن ذلك فهم لا يسمحون بإعادة تصدير الكتب التي يمنعون دخولها مصر الأمر الذي يعني أن المكتبة التي استوردت هذه الكتب عليها ان تستغني عنها للمستخلص الجمركي الذي لا نعلم بعد ذلك أين يذهب بها, وهو ما يسمح بتسربها الي السوق مرة أخري عبر آليات غير معروفة وبالطبع غير شرعية. وهذه العملية التي تؤثر علي حرية الإبداع والتعبير تتطلب تكاتف اتحاد الكتاب والمراكز الحقوقية العاملة في مجال حريات الفكر والتعبير واتحاد الناشرين, للبحث عن سبل لحيلولة دون المزيد من توحش الرقيب, ولصياغة قانون متحضر لهذه العملية التي تعتبر الآف خارج التاريخ في كل دول العالم. وفضلا عن كل ذلك من المطلوب من وزارة الإعلام أن تعيد تنظيم هذة الإدارة أن كانت تابعة لها وان تقطع كل صلة لها بوزارة الداخلية. وبالطبع فان صدور قانون جديد ومتحضر للمطبوعات أصبح أمرا ملحا.