رائحة الحزن تفوح من قرية حليس بكفر الشيخ صراخ هنا وعويل هناك.. أنهار من الدموع تنساب علي وجنات ستة أطفال فقدوا الأب والأخ والسند والحماية والأمان ونظرات حائرة تشع من العيون البريئة. ونسوة اتشحن بالسواد وأصوات صراخهن تكاد تفزع الطير المحلق في السماء حزنا علي فراق أغلي وأعز الناس الذي اغتالته يد غادرة أثمة بمدينة تبوك بالسعودية قبل عودته لمصر بأيام. ليس لذنب اقترفه إلا انه شد الرحال إلي بلاد الله بحثا عن لقمة عيش شريفة يسد بها افواه اسرته البسيطة ولم يرد بخلده ان القدر سيسطر له هذه النهاية المأساوية علي يد ثلاثة شباب صلبت الرحمة طريقها الي قلوبهم واغتالوا شابا لم ير ابنه الذي كتب له القدر ان يعيش في ظلمه اليتم وعتمه الحياة ومرارة الأيام بدون أبيه. محمود محمد عبد المنعم لبيب38 سنة شاب مصري مكافح كان يشعر دائما بأن شيئا سيحدث له وكان يتحدث مع أصدقائه وأقاربه وجيرانه بقرية حليس التابعة لمركز كفر الشيخ بمحافظة كفر الشيخ عن ذلك قبل سفره للعمل بالسعودية في مدينة تبوك قبل7 أعوام ولكنه لم يكن يدري أن القدر قد كتب له نهاية مأساوية دامية بأن يكون هذا الشاب المصري المكافح البسيط الذي سافر للعمل بالسعودية في مطعم بمدينة تبوك بحثا عن لقمة العيش الشريفة التي يساعد بها أفراد أسرته البسيطة ضحية غدر شباب السعودي, حيث لقي هذا الشاب المصري البسيط المكافح حتفه في الساعة الثامنة من مساء يوم الأحد الماضي علي يد3 شباب سعوديين بعد ان تعقبوه إلي منزله عقب انتهاء وردية عمله بالمطعم الذي كان يعمل به شيف طباخا حيث ذاع صيته هناك بين المصريين والسعوديين في طهي الطعام وإجادته لجميع أنواع المأكولات الغربية والشرقية بمدينة تبوك الهادئة التي تحولت كمسرح لهذه الجريمة البشعة, حيث كان المجني عليه بحوذته إيراد المطعم الذي يعمل به لإيداعه صباح اليوم التالي في البنك الذي يتعاملون معه كما كان يحدث يوميا, وصعد خلفه أثنان من الجناة هما عبد الله معوض البلوي وعبد الله مخيمر عايش الحربي ووقف شريكهم الثالث في الجريمة التي هزت أرجاء المدينة عوضه ضيوف عوض البلوي خارج المنزل لمراقبة الشارع وقام المتهمون بطعن المواطن المصري بسكين عدة طعنات في رقبته وظهره وجنبه وفروا هاربين بعد أن استولوا علي إيراد المطعم والأموال التي كانت بحوزته وبعض المتعلقات وأوراقه الشخصيه وتركوه مدرجا في دمائه لكنه لم يكن قد فارق الحياة بعد, وتمكن بصعوبة بالغة وهو في سكرات الموت من الاتصال بأصدقائه وزملائه بالمطعم وأبلغهم بأنه يموت قبل وفاته بلحظات, حيث حضر علي الفور أصدقاؤه الي المنزل وقاموا بالاتصال بالشرطة السعودية التي حضرت الي موقع الجريمة وتم القبض علي المتهمين الثلاثة السعوديين بعد فترة بسيطة من ارتكابهم الجريمة البشعة في حق المواطن المصري, وذلك بعد أن أدلي جيران المجني عليه بأوصاف المتهمين الثلاثة, وتم نقل جثه الشاب المصري المجني عليه إلي مشرحه مستشفي الملك فهد بمدينة تبوك, وعقب القبض علي المتهمين الثلاثة إعترفوا بارتكابهم الجريمة البشعة وضبطت بحوذتهم الأموال والسكين المستخدم في الجريمة والأوراق الخاصة بالقتيل وتم إحالتهم الي الأدعاء العام تمهيدا للمصادقة علي اعترافاتهم شرعا بارتكاب الجريمة في حق المواطن المصري, بقتله بدافع السرقة بعد أن أعماهم حب المال وقادهم الي قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق!! وفور وقوع الجريمة تابع السفير عادل الألفي قنصل مصر العام في جدة ملابساتها وقام السفير المصري بالسعودية عفيفي عبد الوهاب بالاتصال بأسرة المجني عليه وإبلاغهم بالحادث وكذلك الاتصال بشقيقه طلعت محمد عبد المنعم لبيب الذي يعمل بالأردن الذي طلب الحصول علي تأشيرة دخول السعودية لحضور جنازة شقيقه ومراسم دفنه بعد ان وافقت أسرته بقرية حليس بكفر الشيخ علي دفنه بمقابر مدينة تبوك بالسعودية علي إعتبار أن إكرام الميت دفنه وقام شقيقه الأكبر محمد محمد عبد المنعم مدرس بمدرسة حليس الابتدائية بعمل توكيل للمواطن رضا السعيد عبد القوي خليفة من أبناء القرية لإنهاء كل الاجراءات الخاصة بدفن الجثمان هناك يوم الأربعاء الماضي, علي أن تقوم السفارة والقنصلية المصرية بالسعودية ورأفت عبد الله ممثل الجالية المصرية عضو صندوق رعاية المصريين بمتابعة التحقيقات في هذا الحادث أولا بأول وإبلاغ أسرته. وفور وصول نبأ مصرع المواطن المصري محمود محمد عبد المنعم الي قريته ومسقط رأسه حليس سادت حالة من الصمت والوجوم والحزن الشديد علي أبناء القرية وخيم الحزن والألم علي الجميع واتشحت القرية بالسواد وتوافدت أعداد كبيرة من المواطنين من القرية والقري المجاورة علي منزل أسرة المجني عليه لتقديم واجب العزاء لأفراد أسرته والوقوف الي جوارهم في هذا المصاب الاليم, والجميع غير مصدق أن يحدث ذلك علي يد3 من الاخوة السعوديين, خاصة أن المجني عليه كان دائم الإشادة بكرم الضيافة وحسن تعامل الأشقاء السعوديين بتبوك معه. محمود الشهيد متزوج من سماح عبد الحافظ مرشدي ربة منزل حاصلة علي دبلوم تجارة وله منها ولدان الأول عمرو عمره عامين ونصف العام والثاني محمد7 أشهر فقط ولم يره والده حيث رزق به في أثناء تواجده بالسعودية عقب سفره خلال المرة الأخيرة منذ أكثر من عام وكانت زوجته حامل منه, وكان المجني عليه قد قرر الحضور الي مصر في إجازة خلال هذا الأسبوع ولم يمهله القدر ويد الغدر والخيانه من العودة الي مصر لمشاهدة نجله وزوجته ووالدته المسنه فوزية محمد احمد70 سنة وشقيقه محمد المدرس بمدرسة حليس الابتدائية وشقيقاته البنات الأربع حيث توفي والده منذ فترة طويلة وتحمل هو وشقيقه مسئولية الإنفاق علي الاسرة المتواضعة متوسطة الحال حيث سافر هو الي السعودية بينما سافر شقيقه طلعت36 عاما الي الاردن بحثا عن لقمة العيش الشريفه علي أمل العودة إلي افراد اسرته التي كانت في انتظار عودته لهم خلال هذا الاسبوع, وكان القدر للجميع بالمرصاد حيث ارتدت الزوجة الملابس السوداء الخاصة بالحداد علي رحيل الزوج والصديق والحبيب بعد طول غياب. حين انتقلنا الي القرية شاهدنا الحزن والصمت الرهيب الذي خيم علي القرية وتقابلنا مع شقيق المجني عليه الأكبر محمد محمد عبد المنعم42 سنة المدرس بمدرسة حليس الابتدائية وكان الحزن يعتصر قلبه علي رحيل شقيقه بهذه الطريقة البشعه علي يد3 سعوديين في المدينة التي كان يعمل بها هناك تبوك, منزل الاسرة مكون من طابقين متواضع يدل علي حال سكانه ومدي المعاناة في توفير لقمة العيش, وسمعنا من الداخل صوت عويل الأم المكلومة وهي تصرخ وتنادي علي نجلها محمود والدموع تنهمر من عينيها بغزارة شديدة وقد حاولنا التحدث اليها بعد استئذان نجلها الاكبر إلا انها لم تنطق إلا بكلمات قليلة وهي دم ابني محمود في رقبه من ؟ وطالبت المسئولين بالقصاص العادل لدم ابنها الأوسط محمود وان يقتصوا له من قاتليه الثلاثة الذين قتلوه غدرا بحثا عن المال ولم تستطع التحدث اكثر من ذلك بعد ان اصيبت بنوبة عصبية, وخرجنا من عندها ولم نستطع التحدث الي الزوجة سماح عبد الحافظ حيث كانت تجلس في غرفة مع نجلها الاصغر محمد7 أشهر وكانت حالتها سيئة للغاية وأبلغنا شقيق زوجها انها أصيبت بأزمة نفسية وحالة إغماء فور سماعها بنبأ وفاة زوجها وتم نقلها الي المستشفي وعلاجها وعادت الي المنزل مرة ثانية بعد تلقي العلاج اللازم. يقول شقيق المجني عليه الاكبر ان زوجة شقيقه تلقت اتصالا تليفونيا من رقم مجهول من السعودية في السابعة من صباح يوم الاثنين الماضي ولم ترد عليه فقام صاحب الرقم بكتابة رسالة وإرسالها علي هاتف الزوجة نصها الرجاء الأتصال للأهمية ولم يكن صاحب هذا الرقم إلا السفير المصري بالسعودية الذي قام بالاتصال بشقيقه طلعت في الأردن وابلغه بما حدث لشقيقه محمود وعلمت الاسرة بعد ذلك من طلعت بالحادث وانه قام بالاتصال بالسفير المصري بالسعودية حيث شرح له الحادث واكد له القبض علي الجناة وقد وافقنا جميعا علي دفن جثمان شقيقي بالسعودية ورفض الحديث عن قبول الديه من عدمه من قاتلي شقيقه مؤكدا ان هذا الكلام سابق لاوانه حاليا ونتابع تطورات الحادث. وأضاف عبد الحفيظ محمد سعد جار المجني عليه ان محمود كان يتمتع بعلاقات طيبةمع جميع ابناء القرية التي تبعد عن مدينة كفر الشيخ8 كيلو مترات وكان يشارك في أفراح وأحزان الجميع وكان يقوم بمساعدة أفراد اسرته من خلال تحويل الأموال لهم من السعودية لمساعدتهم علي مواجهة اعباء الحياة خاصة والدته المسنة ونطالب بالقصاص العادل من قاتليه هناك بالسعودية مؤكدا ثقته في القضاء السعودي. وقد طالبت الأم من المسئولين تمكينها من السفر إلي السعودية لزيارة قبر نجلها خاصة إنها ظلت لسنوات لم تره وكانت في انتظار عودته هذا العام وتطلب بأن تكفل الدولة أبنائه وذلك لأنهم يعيشون في ظروف صعبة بعد أن فقدوا عائلهم الوحيد.