كلنا نعيش علي حافة الحياة. قلب الحياة لا نبلغه الابعد صفاء وتجلي ووصول للأعلي والأسمي. ونظل جميعا عطشي في صحراء قاحلة. كأن حياتنا هي رحلة قصيرة نستظل بها تحت شجرة ثم نمضي كما وصفها لنا الرسول محمد( صلي الله الله عليه وسلم). والبئر الاساسية التي نحتاج اليها في هذه الرحلة هي( الذاكرة), فمنها نغترف فنصبح بشرا. لا نستطيع أن نحب ولا أن نتعلم ولا أن نعمل ولا أن نفكر ولا أن نؤمن ولا أن نستمر في الحياة بدون ذاكرة. في كتابه( أنفاسي الأخيرة) التي أصدره عن سيرة حياته, أرجع المخرج الاسباني الأشهر لوي بونويل سبب كتابه لمذكراته لفقدان أمه الذاكرة. فكلما كان يدخل عليها كانت لا تعرفه فيذكرها أنه ابنها ثم يخرج ثانية ويعود بعد خمس دقائق فلا تتذكره ابدا. ويفرد مخرج السريالية صفحات هذا الكتاب لسرد حكايات تتعلق بفقدان ذاكرته وكأنما يعتذر مسبقا عن حكايات قد لا يرويها لقرائه. اما رائد الواقعية السحرية وحائز نوبل الاديب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز, يعيش هذه الايام ماسأة فقدان ذاكرته حيث ورث مرض ألزهايمر من عائلته الكبري. ذلك الذي كتب( عشت لأروي) لم يعد يتذكر شيئا مما رواه.أو مما علمنا روايته. السينما هي أحد أهم أوعية الذاكرة في هذا العصر. نسجل من خلالها حياتنا ونعكس عبرها رؤانا واحلامنا وكوابيسنا.لهذا تعتبر مهمة حماية الذاكرة السينمائية من أهم المهام التي لابد ان ندافع عنها. ولذلك كانت سعادتي بالغة بالمشروع الذي اطلقه مدير التصوير كمال عبد العزيز الرئيس الجديد للمركز القومي للسينما لتحويل550 فيلما تسجيليا من خام السينما المصورة عليه الي التقنية الرقمية عالية الجودة( هاي ديفينيشان).نقب عبد العزيز في مخازنه ليحصي عدد الأفلام التي أنتجتها مصر منذ1954 ليجد ما نستطيع أن نسميه( منجم للسينما التسجيلية). وبها درر ولآلئ تسجل واقع الحياة في مصر وتجلياتها, مثل فيلم فن العرايس لتوفيق صالح تصوير عبد العزيز فهمي, تاريخ السينما المصرية لأحمد كامل مرسي ورقصة من البحيرة لداوود عبد السيد وغيرها من افلام لعظماء السينما التسجيلية في مصر مثل سعد نديم وهاشم النحاس وصلاح التهامي وسمير عوف وغيرهم أجيال من الموهوبين في هذا المجال. كل ذلك سيتاح للباحثين ومحبي السينما لاغراض البحث والعروض الثقافية. كلمة شكر لا تكفي لكمال عبد العزيز, والشكر موصول أيضا لمدير التصوير د سمير فرج رئيس جهاز السينما الذي يبذل قصاري جهده لكي يستطيع المساهمة في اخراج هذا المشروع للنور من خلال ماكينة تليسين مدينة الانتاج الاعلامي. وأدعو لعمل عرض قريب لمجموعة مختارة من الأفلام النادرة من هذه المجموعة. لعلها تكون بداية لانقاذ كل تراثنا السينمائي المهدر. المزيد من أعمدة احمد عاطف