مساء الخير. انها تحتاج فقط ان تعيش مشاعر طبيعية افتقدتها طوال عمرها. هى الآن فى سن الشباب وفى احوج ما تكون الى السند من الرجل الذى ترتاح اليه وتحكى بدون حرج. هذا الدور لا يستطيع احد ان يكون له بديل. لا انا ولا حتى خالها او جدها. هذا دور استثنائى وخطير. وكثيرا ما يخطر لها فى احلام النوم واليقظة ما تحتاجه. فكر فى الامر ارجوك. هكذا قالت الام لأيشى. الاخير اجابها بأنه لابد من الاستعداد للأمر جيدا. فهو ليس دورا سهلا. وهو يخشى ان يخطئ فيترك اثرا سيئا فى نفس الفتاة. وطلب من الام ان تحادثه فى الغد حتى يكون قد فرغ من التفكير. لم يمنعه هنا خوفه من جرح الفتاة، لكنه يتدلل مثلما يفعل دائما عندما يطلب منه احد خدماته. وفى اليوم التالى يبلغ الام بالموافقة. وفى اليوم الذى يليه يقابل ابنتها الشابة المسماة ماهيرو. يتجولا معا وسط اشجار الكريز بحديقة يويوجى بارك، ويستمتعان بالمكان. ويبدأ ايشى لعب دوره. يكون حانيا وخفيف الظل ويقترب برفق من روح الفتاة، التى تندمج مع الامر وتصدقه. وتفتح له قلبها وينطلق الامر ويتحقق المراد. انها شابة فقدت والدها من صغرها. واتصلت امها بشركة اسمها رومانسية عائلية، وظيفتها توفير اناس يلعبون ادوارا بديلة لمن يطلب لأى سبب. من يفتقد الاب مثل الفتاة ماهيرو يوفرون لها ابا. وهناك المحتاج لاخ يستعيد معه ذكريات اخيه المتوفى. وآخر يلعب دور زوج ويذهب للتسوق مع السيدة التى لم تتزوج اصلا. وهناك من يلعب دور صديق يرافق رجلا للسينما. مجرد علاقات انسانية افلاطونية. نعم بالضبط: انها مشاعر للايجار. الشركة يابانية وناجحة جدا، والقانون هناك يسمح لها بمثل هذه الخدمات. ولدى الشركة قاعدة من 2200 على استعداد ليكونوا اى فرد من افراد اسرتك. ومثيلاتها بدأت تنطلق وتنتشر بأماكن كثيرة بالعالم.. الكل سعيد بها : من يستأجر المشاعر ومن يؤجرها. تلك كانت مادة الفيلم الالمانى الذى يحمل نفس اسم الشركة رومانسية عائلية واخرجه عملاق السينما الالمانية فرنر هرتزوج. انصدم البعض من فكرة الشركة ومن الفيلم باعتبار ان المشاعر ارقى وانبل من ان يتم ايجارها. لكن ما ان تتبع الاحداث، وجزء كبير منها تسجيلى وواقعى بالمناسبة، حتى تسأل نفسك: وما المانع فى ان يكون هناك مثل هذه الشركات. مادام لا يوجد خداع. ومادامت كل الاطراف راضية وسعيدة. ما المانع عن تعويض ولو مؤقتا ولو بالايجار. فيلم فرنسى آخر عرض فى الدورة الاخيرة لمهرجان «كان» قدم موضوعا مشابها هو فيلم الزمن الجميل لنيكولا بيدو. ويحكى قصة رسام عجوز تضجر منه زوجته بسبب اهماله لنفسه بعد تركه العمل، ومن ملل حياتهما الزوجية. فتطرده بشنطة ملابس صغيرة خارج المنزل. يحاول ابنه الشاب انقاذه من الانهيار، فيمنحه دعوة لتمضية يوم فى الزمن التاريخى الذى يحبه. فأقرب اصدقاء الابن - الذى يلعب دوره جيوم كانيه, قد افتتح شركة تمنح اى شخص لديه الامكانات المادية، ان يختار اى لحظة من التاريخ او اى شخصية شهيرة ليمضى معها بعض الوقت. تقوم الشركة بصناعة ديكورات للفترة التاريخية فى استوديو ضخم، وتضع سيناريو، وتدرب عليه الممثلين وتستأجر ملابس تاريخية وما الى ذلك. كانت تلك التجربة هى قبلة الحياة من الابن لوالده الرسام، الذى جلس مع صاحب الشركة وطلب منه ان يعيش لحظات من شبابه فى السبعينيات والتى تعرف فيها على حب عمره، والتى اصبحت زوجته التى طردته فى بداية الفيلم. وحصل منه صاحب الشركة على كل المعلومات الخاصة بذكرياته وادق تفاصيلها حتى يعيد بناء البار والشارع والفندق الذى جرت فيه تلك الاحداث. وبالفعل كانت الدقة مذهلة، وشعر الرسام بالسعادة لاستعادته أجمل لحظات عمره بتفاصيلها وشخوصها. لكن حدث ما لا تحمد عقباه، وتعلق الرسام بالممثلة الشابة التى لعبت دور حبيبته القديمة. والتى كانت بالمصادفة تحب المخرج صاحب الشركة لكنه كان منشغلا عنها دائما. واشتعلت الغيرة. واصبح الشغل الشاغل للجميع اخراج الرسام من حالة الهوس بالنوستالجيا التى انتابته، حتى انه باع شقة المصيف التى يمتلكها, بدون اخبار زوجته, لشراء مدة جديدة بالشركة واستكمال العيش فى الماضى. لكنه فوجئ انهم جاءوا له بممثلة اخرى تلعب دور حبييته فثار وطلب الممثلة الاولى. وتم اقتياده لمنزلها المفترض وايهامه بأن لها اطفالا وأسرة وانه لابد ان يفيق. وتسبب كل ذلك فى تحوله الايجابى فولد من جديد وعاد لزوجته وعاد للعمل. لتصل الرسالة وهى تقول انه ربما تكون هناك فائدة للمشاعر المؤجرة، انما لابد من وقفها فى وقت ما، لكى لا يعيش الانسان فى الوهم. فقليل من النوستالجيا يفيد، بينما الكثير منه قد يكون مدمرا. لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف دره