تنتهى الأسبوع المقبل امتحانات الثانوية العامة، فى الوقت الذى بدأت فيه الجامعات الخاصة قبول طلبات حجز الأماكن بكلياتها المختلفة، وسيطر على أولياء الأمور الحديث عن أفضل الكليات التى يمكن للطلاب الالتحاق بها، خاصة أن الفترة ما بين ظهور نتيجة الثانوية العامة وبدء أعمال تنسيق القبول بالجامعات ستكون أياما قليلة، قد لا تتاح خلالها الفرصة للبحث والتفكير بشكل عميق فى نوعية الدراسة التى ترغب فيها كل أسرة لأبنائها. والحقيقة أن هذا الموضوع يكتسب أهمية كبرى مع المتغيرات الكثيرة التى تشهدها سوق العمل الآن داخل وخارج مصر، وعدم الاهتمام بالربط بين التعليم ومتطلبات سوق العمل يعنى ضخ آلاف العاطلين سنويا والذين لن يجدوا فرص عمل بسبب عدم احتياج السوق لهم. وقد سبق أن اشار الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى هذا الموضوع عدة مرات، ووجه رؤساء الجامعات إلى بناء الإنسان وتغيير ثقافة التعليم إلى الفهم، وإلى تعليم الطلاب وإكسابهم مهارات تؤهلهم لسوق العمل، مؤكدا ضرورة وأهمية ثقافة تأهيل الطالب للحصول على وظيفة. لكن قبل ذلك على أولياء الأمور والطلاب خلال رحلة تفكيرهم فى الكلية المناسبة الآن، معرفة المتغيرات الموجودة فى سوق العمل، ونسيان النظرة القديمة عما يسمى بكليات القمة، والبحث عن الكليات المؤهلة للعمل فى ظل الظروف الحالية، فالبعض مازال يرى أن التحاقه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية يضمن له العمل فى وزارة الخارجية والبنوك الكبري، وهو أمر غير صحيح، فالعمل بالسلك الدبلوماسى متاح لمن يجتاز الاختبارات التى تعقدها الوزارة فى بعض المواد مثل اللغات، والعلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية،، والقانون الدولى العام والمنظمات الدولية، وذلك بغض النظر عن طبيعة المؤهل، فالقانون يشترط فى المتقدم أن يكون حاصلا على مؤهل عال من إحدى الجامعات المصرية أو مايعادله، دون اشتراط التخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية على وجه التحديد، بل إن بعض السفراء المعروفين من خريجى كليات الحقوق والإعلام وهندسة الجامعة الامريكية. ورغم أن دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية لم تعد مقصورة على جامعة القاهرة، واصبحت موجودة فى عدة جامعات حكومية وخاصة أخري، إلا أن سوق العمل غير قادرة على استيعاب خريجيها، خاصة مع تقلص مراكز الأبحاث التى كانت توفر بعض فرص العمل للباحثين، ومنافسة خريجى كليات التجارة بأنواعها لخريجى الاقتصاد فى العمل بالبنوك، ولذلك نجد كثيرا من خريجى الاقتصاد والعلوم السياسية وهى من كليات القمة يمتهنون أعمالا لا تمت بصلة لما درسوه. نفس الموقف ينطبق على كليات ومعاهد الإعلام، التى انتشرت الآن بأعداد كبيرة فى معظم الجامعات الحكومية والخاصة والأكاديميات والمحافظات، ليتخرج منها عشرات الآلاف سنويا، فى وقت يشهد فيه العمل بسوق الإعلام تقلصا كبيرا، ولا يحتاج إلى هذه العدد الضخم من الخريجين، خاصة أن هذا السوق تسمح بالعمل لمن يمتلك المهارات اللازمة من خريجى أى كلية وليس مقصورا على دارسى الإعلام فقط، والنتيجة أن معظم خريجى هذا الكم الكبير من كليات ومعاهد الإعلام لا يعملون فى هذا المجال. والأمثلة كثيرة على الكليات التى لم تعد سوق العمل بحاجة إلى الأعداد الضخمة التى تتخرج منها سنويا، سبق أن أشار إليها الرئيس السيسى بقوله: «مينفعش يبقى عندنا كل سنة 100 ألف خريج من كلية الحقوق وزيهم من كلية التجارة». فلابد أن تسعى الجامعات إلى تطوير نظم الدراسة بها لتتناسب مع سوق العمل، وألا يقتصر ذلك على بعض البرامج الجديدة التى يتم القبول بها مقابل رسوم دراسية مرتفعة، وإنما نحن بحاجة لتطوير جذرى للكليات القائمة، ويمكن لكل كلية عقد مؤتمر علمى سنوى يضم أعضاء هيئات التدريس بها وخبراء من سوق العمل ومسئولين عن المؤسسات المرتبط عملها بتخصص الكلية، تستهدف التعاون بين جميع الأطراف من أجل تعديل المناهج ونظم التدريس بما يمكن الطلاب من اكتساب المهارات والمعلومات التى تتلاءم مع احتياجات السوق، مع قيام الجامعات بتحديث نظمها الإدارية أيضا وسبل التواصل مع الجمهور، فمن غير المعقول الحصول على أى معلومات نرغب فيها من أى جامعة ألمانية مثلا فى الخارج بمجرد إرسال بريد إلكترونى لها يتم الرد عليه فورا، بينما يتطلب الحصول على نفس المعلومة من جامعة عين شمس ضرورة الذهاب إلى المقر للاستعلام من الموظفين. وفى هذا السياق فإن التوسع فى وجود فروع للجامعات الأجنبية الكبرى فى مصر يمثل إضافة قوية للتعليم الجامعى لدينا تأخر كثيرا، وسبقتنا فيه بعض دول الخليج وكان من المفترض أن يتم منذ سنوات، باعتبارنا رواد النهضة التعليمية فى المنطقة، ونتمنى أن تزداد أعداد الجامعات الأجنبية الكبرى فى مصر وأن نستفيد من وجودها لدينا فى دعم التعاون بينها وبين الجامعات المصرية، وأن نسعى لتصبح مصر مركزا إقليميا للتعليم الجامعى فى منطقة الشرق الأوسط، كما كانت رائدة فى هذا المجال. ولا يمكن الحديث عن تطوير التعليم دون التطرق إلى مجال فى منتهى الأهمية ينبغى توعية الرأى العام به وهو التعليم الفني، وهناك دول كثيرة جدا قامت نهضتها على أساس التعليم الفني، فعندما احتاجت ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية إلى نقلة تكنولوجية لمواجهة الخراب والدمار الذى تعرضت له معظم مناطقها وبنيتها التحتية، لم تجد سبيلا إلى ذلك سوى بالاهتمام بالمدارس والمعاهد الفنية، لدرجة أن التعليم التقنى والفنى يمثل الآن 75% من التعليم فى ألمانيا، وهو ما أدى إلى وجود ألمانيا على رأس الدول الصناعية الكبرى الآن. ونحتاج فى مصر الآن إلى حملات توعية تشارك فيها وسائل الإعلام والدراما والمؤسسات المختلفة الحكومية والأهلية لتغيير نظرة البعض إلى التعليم الفني، وتأكيد أنه لا يقل أهمية عن التعليم الجامعي، فمن غير المعقول أن يعانى خريجو كليات كثيرة من البطالة فى الوقت الذى تبحث فيها بعض المصانع عن عمالة فنية مدربة فلا تجدها. الخلاصة .. المهارات قبل الشهادات، هى السبيل لدخول سوق العمل. لمزيد من مقالات ◀ فتحى محمود