الأمومة غريزة تولد مع الفتاة وتجعلها ترتبط بأبنائها فور علمها بأنها حامل، أما الأبوة فهى أمر آخر مختلف تماما. فالرجل لا يمارس الأبوة بالفطرة مثل المرأة وانما يتعلمها تدريجيا عبر القرب و الألفة والتعلق. ويصف علماء الاجتماع الأبوة بأنها تحول هائل فى حياة الرجل، حيث تتغير أشياء كثيرة فيه وفى نظرته للأمور ويبدأ سلسلة من التنازلات (عن الأحلام الفردية) والتضحيات (بالوقت والجهد ووسائل الرفاهية) وإعادة تهذيب الذات من أجل الأبناء. نعم يتجنب كثير من الرجال حمل أطفالهم الرضع فى الشهور الأولى خشية ايذائهم جسديا وربما يتهرب بعضهم من المشاركة فى أعمال الرعاية اليومية ولكن ما إن يكبر الطفل قليلا ويصبح أكثر تفاعلا حتى تبدأ رحلة تطور تلك العلاقة النادرة بين الأب وأولاده. رحلة يلعب فيها الأب العديد من الأدوار التى تعمل على ضمان االسلامة النفسية للأبناء.فهومصدر الأمن والحماية ،و المعلم والمرشد، ورفيق اللعب، والمستشار فى الأزمات، والبنك المتنقل، ودليفرى الطلبات، وعامل صيانة تحت الطلب. وفى ظروف استثنائية أخري، قد يضطر بعض الرجال إلى القيام بأدوار الأم أيضا نتيجة غيابها لسبب ما وهؤلاء فى حقيقة الأمر أبطال حقا ليس لتحملهم أعباء ثقيلة إضافية ولكن لقيامهم بأدوار قد لا تتوافق مع طبيعتهم واستعدادهم النفسي. وعلى النقيض من هؤلاء الآباء الأبطال، ولأن الأبوة ليست غريزة ولا تتطور بالفطرة ، يفشل بعض الرجال فى الاحساس بها وممارستها.وتشكو كثير من البيوت المصرية من غياب دور الأب، ذلك الدور المحورى فى تنشئة الأبناء وغرس القيم والمبادئ فى نفوسهم.وتقف أسباب مادية كثيرة وراء هذا الغياب كالسفر أو الانشغال المبالغ فيه بالعمل أو تهميش الأم للأب ولكن السبب الأساسى نفسى وهو رفض ذلك النوع من الرجال تحمل مسئولية الأبوة. ولكننا لسنا هنا بصدد الحديث عن هذا النوع من الرجال وانما نريد أن نلقى الضوء على حق الأب المهضوم فى التكريم والاعتراف بالتضحيات التى يقدمها من أجل ابنائه وذلك بمناسبة احتفال كثير من دول العالم بيوم الأب أو عيد الأب يوم الجمعة المقبل الحادى والعشرين من يونيو. وفى واقع الأمر قد لا يعرف كثيرون أن هناك عيدا للأب، رغم أن الاحتفال به بدأ فى أوروبا فى القرون الوسطى فى التاسع عشر من مارس من كل عام والذى يوافق مولد القديس جوزيف. ثم وصل الاحتفال إلى أمريكا اللاتينية مع حملات الاستكشاف الاسبانية والبرتغالية. أما فى الولاياتالمتحدة فيرجع المؤرخون تخصيص يوم للآباء فى أمريكا فى القرن العشرين إلى عام 1910 عندما أرادت الأمريكية سونورا سمارت دود رد الجميل لوالدها الذى لعب دور الأب والأم لأولاده الستة بعد وفاة والدتهم وتحمل كثيرا من الصعاب من أجلهم. ولكن لم يتم اعتماد يوم الآباء رسميا فى جميع الولايات وبموجب قرار من الكونجرس إلا فى عام 1972، حيث تم الاستقرار على تحديد يوم الأحد الثالث من شهر يونيو للاحتفال به.وانتقل الاحتفال بذلك العيد إلى دول أخرى حول العالم والتى لم تتقيد بمسألة الأحد الثالث مثل أمريكا واستبدلت به يوم الحادى والعشرين من يونيو. ولا أدعو هنا لتكرار نفس الأخطاء التى يرتكبها البعض فى عيد الأم، حيث يحولونه إلى يوم للاستنزاف المادى والعاطفي، مما يفقده كثيرا من المعانى النبيلة وانما فقط اقول إن الأب أيضا يستحق يوما للاعتراف بفضله ولشكره على تضحياته فلم لا نستغل يوم الجمعة المقبل للتعبير عن حبنا لمن شقى هو أيضا من أجل اسعادنا؟!. لمزيد من مقالات هناء دكرورى