طالعنا الرئيس الامركى ترامب أخيرا، بعزمه على الترشح لفترة رئاسية ثانية تبدأ انتخاباتها فى نوفمبر 2020، وبدا من ذلك انه يقاوم احتمالية إدانة طبقا لتقرير المحقق روبرت مولر- 484 صفحة - الضابط السابق فى وكالتى المخابرات المركزية والتحقيقات الفيدرالية وضابط فيلق مشاة الاسطول الاسبق، والذى كُلف من الكونجرس برئاسة هذه اللجنة منذ قرابة عامين فى مايو 2017، للوقوف على مدى التورط الروسى لدعم, الصديق, ترامب فى انتخابات الرئاسة الامريكية فى نوفمبر 2016.. وكان هذا الموضوع ذا حساسية شديدة لدى ترامب منذ دخوله البيت الابيض وقبل لجنة مولر لاحقا. فمنذ دخوله إلى البيت الابيض رسميا فى 20 يناير 2017، وقد تسارعت الاحداث وصدرت قرارات مهمة، وصفها البعض بالجرأة، ووصفها البعض الآخر بالتهور وقلة الخبرة والحنكة السياسية. وكان محور تلك القرارات, الإقالات الرئاسية لرموز سيادية, هو إيقاف بدايات تلك التحقيقات لبعض الجهات السيادية والتى تخص ترامب وحملته الانتخابية، وعن مدى علاقتهم بروسيا الاتحادية إبان انتخابات الرئاسة والمنافسة مع المرشحة الديمقراطية، هيلارى كلينتون. حيث بدأت الإقالات فى 30-1-2017 أى بعد عشرة أيام فقط من دخول البيت الابيض، حيث تمت إقالة المحامى ألعام التنفيذي (سالى ياتيس) بعد ساعات من إبلاغها لمحاميٍ وزارة العدل، بعدم الدفاع عن تلك القضية، وفى 12-3-2017 تمت إقالة المحامى العام لجنوب نيويورك (بريت بهارارا) لنفس السبب وقد رفض تقديم استقالته فتمت إقالته.. وفي9 -5-2017 تمت إقالة مدير وكالة التحقيقات الفيدرالية (إف بى آي) جيمس كومى لإعادته التحقيقات فى ذات القضية، مما أغضب ترامب, هذا وقد عرف كومى بإقالته من خلال الاخبار العاجلة فى التليفزيون خلال اجتماع له بلوس انجلوس حيث نبهه الحاضرون الى ذلك، ولكن الرجل استكمل اجتماعه للنهاية، فى ذات الوقت، تم تعيين أندرو ميكابى نائب كومي, مديراَ جديدا ل (إف بى آي) والذى واجه الصحفيين عند سؤاله، هل ستستمر فى فتح التحقيقات التى بدأها سلفك؟ فأجاب، أنه سيعمل طبقا لدستور الولاياتالمتحدة، وصالح الشعب الامريكي، فى إشارة إلى رفض إيقاف التحقيقات، حتى لو طلب الرئيس منه ذلك، مما قد يؤدى إلى إقالته هو أيضا، وهو ما قد يزيد الموقف تأزما مع الرئيس.. هذا ويتم اختيار مدير ال (إف بى آى) لمدة (10) سنوات، وقد تم اختيار كومى عام 2013 فى عهد الرئيس أوباما، وبدعم من الأغلبية الجمهورية حينذاك. هذا وقد تلقى كومي, بعد إقالته, مكالمة من ترامب، يحذره فيها الرئيس، بأن القانون لا يسمح له بالإدلاء بأى معلومات، كانت متاحة له بحكم وظيفته كمدير ال (إف بى آي) ومفاد المكالمة أن اُصمت، لعدم إجلاء بعض الحقائق المقلقة لترامب بالتأكيد. ويهم بعض المحللين أن اسلوب مقابلة ترامب لكبار المسئولين الروس فى البيت الابيض فى تلك الفترة، كان أكثر بشاشة ومجاملة وترحيبا عن المألوف بروتوكوليا, فى إشارة مبطنة تعكس سابق التعامل والتعاون فى مجال أعمال ترامب فى روسيا سابقا، ويقارن المحللون ذلك بالمقابلات البروتوكولية المنضبطة فى وقت متقارب، مع رؤساء و مسئولين كبار من دول اخري. لم تتوقف قرارات الإقالة لمسئولين كثر منهم وزير العدل جيف سيشنيز لذات السبب، وان وزير العدل الجديد المعين بواسطة ترامب، يرفض تقديم نسخة التقريرالى الكونجرس رغم انتهاء المدة القانونية لذلك.. وايضا كان هناك منعطف خطير فى سير الاحداث، حيث أدين المحامى الخاص بترامب وربما يواجه حكم بالسجن، وأفصح انه فى الوقت المناسب سيقول كل شيء عن علاقته بالرئيس وقد تكون من منطلق عليا وعلى اعدائي! وطبقا للدستور الامريكى فإن الكونجرس هو المنوط بالمسائلة بهدف العزل، فى حالة الخيانة العظمى والإضرار بالأمن القومى والرشوة والفساد والحنث باليمين وعرقلة سير العدالة، حيث يجب توصية ثلثى اعضاء مجلس النواب, 435 عضوا, على توجيه اتهام رسمى للرئيس، ويمثل مجلس النواب جانب الادعاء بينما يمثل مجلس الشيوخ جانب المحلفين، ويترأس المحاكمة رئيس المحكمة الدستورية العليا، ويجب الحصول على ثلثى تصويت مجلس الشيوخ البالغ 100 عضوا لإدانة الرئيس وعزله. إن ما أقدم عليه ترامب من قرارات الاقالة وما قد يسفر عنه التحقيق المتوقع، قد يجعله يواجه موقفنا اصعب مما واجهه الرئيس الامريكى الاسبق ريتشارد نيكسون، حين أعفى من رئاسة الولاياة المتحدة، فقط لعلمه أن حزبه قد تجسس وتنصت على الحزب المعارض فى المقر الادارى بفندق ووترجيت بواشنطن، حيث ارتبط اسم الفندق باسم الازمه أو الفضيحة.. وقد أثبتت التحقيقات ان نيكسون كان يعرف،بعكس إنكاره لذلك فى البداية مما يعد حنثا باليمين، كما كان على علم بحذف (18) دقيقة التى اثبتت إدانته فقدم استقالته. وبالمقارنة فان خطأ نيكسون، يتعلق بعدم الشفافية والحنث باليمين فى شأن داخلى بين الحزبين الرئيسيين، أما خطأ ترامب، فقد يتجاوز ذلك إلى المساس بالأمن القومى الأمريكي.. قد يستمر ترامب على نهجه السياسي، واستمرار الصدام بمؤسسات سيادية مهمة بالدولة، ومع ما قد تسفر عنه التحقيقات المتوقعة بإدانته، فقد يغادر البيت الأبيض مداناَ بعدم الشفافية وبالمساس بالأمن القومى الأمريكي. رغم ان ما افصح عنه التقرير, حتى الآن, لم يدنه بوضوح ولكنه لم يبرؤه بوضوح ايضا، فلننتظر ونرى ما سوف يسفر عنه المستقبل. لمزيد من مقالات لواء د. محمد قشقوش